تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وعلى قول السقاف، فلا بد أن يقول أيضاً أن تلاوة جبريل للنبي ? مخلوقة، فإن قال بذلك خالف ما عليه السلف، وإن لم يقل لزمه التسليم بأن ما في المصحف من قرآن غير مخلوق. قال إسحاق بن إبراهيم بن هانئ النيسابورى في ((مسائله للإمام أحمد)) (1853): ((وسمعت أبا عبدالله يقول: من زعم أن لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي. وقال: أرايت جبريل عليه السلام، حيث جاء إلى النبي ? فتلا عليه، تلاوة جبريل للنبي ?، أكان مخلوقاً؟! ما هو مخلوق)).

وقد أنكر العلماء – رحمهم الله أجمعين – من قال بمثل مقولة السقاف، بل كفر بعضهم من اعتقدها أو دان بها، وإليك جملة من اقوالهم – رحمهم الله تعالى.

قال الإمام احمد بن حنبل – رحمه الله -: ((القرآن علم من علم الله، ومن زعم أن القرآن مخلوق، فقد كفر بالله تعالى)) (11). ونقل عبد الواحد بن عبد العزيز التميمى في ((اعتقاد الإمام أحمد)) عنه: ((وكان يبطل الحكاية، ويضلل القائل بذلك، وعلى مذهبه: أن من قال: إن القرآن عبارة عن كلام الله عز وجل فقد جهل وغلط)) (12). والحكاية: هي ما ذهب إليه السقاف، من أن كلام الله عز وجل معنى قائم بذاته، وأن ما تتلوه الألسنة وتحفظه القلوب، وما يسطر في الصحف عبارة عنه، وحكاية له، وهي دلالات، والدلالات مخلوقة، كذا زعموا!!

وقال الإمام البخاري – رحمه الله – (13): سمعت عبيدالله بن سعيد، يقول: سمعت يحيى بن سعيد، يقول: ما زلت أسمع من أصحابنا يقولون: إن أفعال العباد مخلوقة. قال أبو عبدالله – (هو البخاري) -: حركاتهم، وأصواتهم، واكتسابهم، وكتابتهم مخلوقة، فأما القرآن المتلو المبين، المثبت في المصحف، المسطور، المكتوب، الموعي في القلوب، فهو كلام الله ليس بخلق، قال الله: {بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم} {العنكبوت: 49}.

وقال الإمام الحافظ بن محمد بن الحسين الآجرى رحمه الله (14): ((من قال: إن هذا القرآن الذي يقرؤه الناس، وهو في المصاحف: حكاية لما في اللوح المحفوظ، فهذا قول منكر تنكره العلماء، يقال لقائل هذه المقالة: القرآن يكذبك، ويرد قولك، والسنة تكذبك وترد قولك)). ثم قال (15): ((حكمه: أن يهجر، ولا يكلم، ولا يصلى خلفه، ويحذر منه)).

وقال الإمام المفسر الحافظ محمد بن جرير الطبري – رحمه الله – في ذكر اعتقاده المسمى بـ ((صريح السنة)) (16): ((فأول ما نبدأ فيه بالقول من ذلك كلام الله عز وجل وتنزيله، إذ كان من معاني توحيده: فالصواب من القول في ذلك عندنا: أنه كلام الله عز وجل غير مخلوق، كيف كُتب، وكيف تُلي، وفي أي موضع قرئ، في السماء وجد، أو في الرض حيث حفظ، في اللوح المحفوظ كان مكتوباً، أو في ألواح صبيان الكتاتيب مرسوماً في حجر منقوش، أو في ورق خُطّ، في القلب حُفظ، أو باللسان لفظ، فمن قال غير ذلك، أو ادعى أن قرآناً في الأرض أو في السماء سوى القرآن الذي نتلوه بألسنتنا ونكتبه في مصاحفنا، أو اعتقد غير ذلك بقلبه أو أضمره في نفسه، أو قال بلسانه دائناً به فهو كافر، حلال الدم، وبريء من الله والله بريء منه لقول الله جل ثناؤه: {بل هو قرىن مجيد في لوح محفوظ}، وقال – وقوله الحق -: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله} فأخبرنا جل ثناؤه أنه في اللوح المحفوظ مكتوب، وأنه من لسان محمد ? مسموع، وهو قرآن من محمد مسموع، وفي اللوح المحفوظ مكتوب، وكذلك في الصدور محفوظ، وبألسن الشيوخ والشبان متلو)).

وقال أبو القاسم بن منده – رحمه الله -: بعد روايته لحديث عوف بن مالك – رضي الله عنه – مرفوعاً: ((من قرأ حرفاً من القرآن كُتبت له حسنة، ولا أقول {ألم ذلك الكتاب} ولكن الألف حرف، واللام حرف، والميم …)). قال: ((والمبتدع يشير بهذه الحروف إلى قرآن سوى ذلك الكتاب، فقد صار القرآن عنده قرآنين: مجازاً وحقيقته، والمجاز عنده مخلوق، وصاحب الحديث يعرف قرآناً غير هذا الذي يراه المبتدع مخلوقاً)) (17).

وفيما ذكرناه كفاية للبيب في إثبات الكلام لله تعالى، والرد على السقاف فيما نفاه من ذلك، وقوله بالحكاية. أعاذنا الله وعامة المسلمين من الضلال بعد الإيمان.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير