تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولكن: هل اكتفى السقاف بالطعن في حماد بن سلمة فقط؟ لا، بل أيضاً في محمد بن إسحاق بن يسار صاحب ((السير)) وذلك لأنه روى حديثاً يخالف معتقد السقاف. قال السقاف في تعليقه على ((دفع شبه التشبيه)) (ص: 267): (محمد بن إسحاق عنعن هذا الحديث ولا حجة بحديثه إذا عنعن عند من يحسن حديثه، والحقيقية أنه قد كذبه وطعن فيه جماعة من كبار الأئمة كما في ترجمته في ((التهذيب)) (9/ 34فكر)، فقد طعن فيه الإمام أحمد بن حنبل وكذبه الإمام مالك أيضاً، وسليمان التيمي، ويحيى القطان، ووهيب بن خالد وهؤلاء من أئمة هذا الشأن).

قلت: ولن أجيب على كلام السقاف السابق طعما في تصحيح الحديث الذي رواه ابن إسحاق، بل للإنصاف وللأمانة العلمية وللعدل في القول الذي يجب على كل طالب علم أن يحرص عليه، فقد قال تعالى: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعاً بصيراً} {النساء:58}. وابن إسحاق هذا حافظ كبير، عليه مدار أحاديث كثيرة في الأحكام، وفي السير، وفي غيرهما، والتسرع في الحكم عليه، أو تلفيق حكم زائغ عليه، بلية من البلايا. وسوف أكتفي بالإجابة عما أورده السقاف من دعوى طعن أهل العلم فيه بما يرد حديثه.


الجزء الرابع والعشرون
((الجواب عما أورده السقاف من أسباب رد حديث ابن إسحاق مطلقاً))
أما قوله: (وكذبه الإمام مالك أيضاً، وسليمان التيمي، ويحيى القطان، ووهيب بن خالد، وهؤلاء من أئمة هذا الشأن). فإنه لم يورد ما أجيب به عما ذكره من تكذيب سليمان التيمي، ويحيى القطان، ووهيب، ففي ((التهذيب)) – ومنه نقل السقاف -: ((وقال ابن المديني: ثقة، لم يضعه عندي إلا روايته عن أهل الكتاب، وكذبه سليمان التيمى، ويحيى القطان، ووهيب بن خالد، فأما وهيب والقطان فقلدا فيه هشام بن عورة، ومالكاً، وأما سليمان التيمى، فلم يبين لى لأي شئ تكلم فيه، والظاهر أنه لأمر غير الحديث، لأن سليمان ليس من أهل الجرح والتعديل)).

قلت: فهذا دال على أن قول سليمان التيمي فيه لا يضره بنص حافظ كبير وإمام جهبذ في الجرح والتعديل وهو ابن المديني.
وأما دعوى تكذيب وهيب بن خالد ويحيى القطان فمستندها قصة موضوعة، وأصلها:
ما أخرجه العقيلي في ((الضعفاء)) (4/ 24)، وابن عدي في ((الكامل)) (6/ 2117) من طريق:
عبد الملك بن محمد، حدثني سليمان بن داود، قال: قال لي يحيى بن سعيد القطان: أشهد أن محمد بن إسحاق كذاب، قال: قلت: وما يدرك؟ قال: قال لي وهيب بن خالد، فقلت لوهيب: ما يدريك؟ قال: قال لي مالك بن أنس، فقلت لمالك بن أنس: ما يدريك؟ قال: قال لي هشام بن عروة، قال: قلت لهشام بن عورة: وما يدريك: قال: حدث عن امرأتي فاطمة بنت المنذر، وقد دخلت علي وهي بنت تسع سنين، وما رآها حتى لقيت الله عز وجل.
والإجابة عن هذه القصة من وجهين:
الأول: أن هذه القصة مختلفة موضوعة، والمتهم بها سليمان ابن داود الشاذكوني، وقد انتقدها الذهبي في ((سير أعلام النبلاء)) (7/ 49)، فقال:
((معاذ الله أن يكون يحيى وهؤلاء بدا منهم هذا بناء على أصل فاسد واه، ولكن هذه الخرافة من صنعة سليمان وهو الشاذكوني – لا صبحه الله بخير – فإنه مع تقديمه في الحفظ، متهم عندهم بالكذب، وانظر كيف سلسل الحكاية.
ويبين لك بطلانها أن فاطمة بنت المنذر لما كانت بنت تسع سنين لم يكن زوجها هشام خلق بعد، فهي أكبر منه بنيف عشرة سنة، وأسند منه، فإنها روت كما ذكرنا عن أسماء بنت أبي بكر، وصح أن ابن أبي إسحاق سمع منها، وما عرف بذلك هشام، أفبمثل هذا القول الواهي يكذب الصادق)).
الثاني: أنه لو صحت هذه القصة فمستند التجريح والطعن في ابن إسحاق ضعيف، فإن سماعه من فاطمة ثابت وإن نفاه هشام بن عروة، وإن أقسم على ذلك كما ورد في بعض الأخبار عنه.
قال الذهبي في ((السير)) (7/ 38):
((هشام صادق في يمنيه، فما رآها، ولا زعم الرجل – (أي ابن إسحاق) – أنه رآها، بل ذكر أنها حدّثته، وقد سمعنا من عدة نسوة وما رأيتهن)).
وأما تكذيب الإمام مالك لابن إسحاق:
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير