تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فإنما هو من قبيل كلام القرآن بعضهم في بعض، فقد وقع ابن إسحاق في مالك، ووقع مالك في ابن إسحاق، هذا إن صح أنه قد كذبه.

وقد تتبعت ما روى عن مالك في تكذيب ابن إسحاق فلم أجد ما يصح في ذلك، وإنما أشد ما قال فيه: ((دجال من الدجاجلة))، ولا يقتضي هذا القول تجريحاً كما سوف يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

وأما الأخبار التي وردت في تكذيب مالك لا بن إسحاق، فهي:

1 - ما رواه ابن عدي في ((الكامل)) (6/ 2116): حدثنا ابن حماد، حدثني أبو عون محمد بن عمرو بن عون الواسطى، حدثنا محمد بن يحيى بن سعيد، حدثنا عفان، عن وهيب، قال: سمعت مالك بن أنس يقول: هو كذاب. قلت: وهذا إسناد ضعيف فيه شيخ ابن عدي، وهو محمد بن أحمد بن حماد، أبو بشر الدولابي، قال ابن عدي: ((هو متهم فيما يقوله في نعيم بن حماد لصلابته في أهل الرأي) وقال ابن يونس: ((كان يضعف) وقال الدار قطنى: ((تكلموا فيه، ما تبين من أمره إلا خير)). ومحمد بن يحيى بن سعيد هو ابن القطان، تفرد ابن حبان بذكره في ((الثقات)) (9/ 82)، وأورده ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (1/ 4/123 - 124) ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وأما ابن جحر فقال: ((ثقة))، فلا أدري ما مستند التوثيق عنده، ولم يوثقه معتبر؟!!

2 – ما رواه العقيلي في ((الضعفاء)) (4/ 24): حدثنا أحمد بن علي الأبار حدثنا إبراهيم بن زياد – سبلان -، حدثنا حسين بن عروة، قال: سمعت مالك بن أنس يقول: محمد بن إسحاق كذاب. قلت: وهذا الإسناد فيه: حسين بن عروة، ضعفه الساجي والأزدي، وقال أبو حاتم: ((لا بأس به)). وقول أبي حاتم هذا معناه أن يكتب حديثه وينظر فيه، أي انه لا يحتج به على إطلاقه، كما بين ذلك ابنه في ((الجرح والتعديل)) (1/ 1/37). والحسين بن عروة قد تفرد بهذه الحكاية عن مالك، ولم يشاركه أحد من أصحاب مالك في حكايتها عنه، فهل أسر بها مالك إليه؟!!.

لقد تبين الإمام مسلم رحمه الله أن الرواي وإن كان ثقة أو صدوقاً إذا تفرد بحديث أو خبر عن حافظ كبير، فلم يشاركه في هذا الخبر أحد من أصحاب هذا الحافظ، كان تفرده بهذا الخبر منكراً مردوداً.

قال الإمام مسلم – رحمه الله – في مقدمة ((الصحيح)) (1/ 7):

((فأما من تراه يعمد لمثل الزهري في جلالته وكثرة أصحابه الحفاظ المتقنين لحديثه وحديث غيره، أو لمثل هشام بن عروة، وحديثها عند أهل العلم مبسوط مشترك، قد نقل أصحابهما عنهما حديثها وليس ممن قد شاركهم في الصحيح مما عندهم، فغير جائز قبول حديث هذا الضرب من الناس)).

ولكن صح عن مالك انه قال في ابن إسحاق: ((دجال من الدجاجلة)).

وهذا الوصف لا يؤخذ منه جرح، ولا يعول عليه خصوصاً وأنه قال هذا القول لما أخبر أن ابن إسحاق يقول: اعرضوا على علم مالك، فإنى أنا بيطاره.

وقيل: إنه قال ذلك لما طعن ابن إسحاق في نسب الإمام مالك.

قال الذهبي في ((السير)) (8/ 711):

((وروي عن ابن إسحاق أن زعم أن مالكاً وآله موالي بني تيم، فأخطأ، وكان ذلك أقوى سبب في تكذيب الإمام مالك له، وطعنه عليه)).

ولو نظر السقاف إلى ترجمة ابن إسحاق في ((التاريخ الكبير)) للبخاري، لوجد أن الإمام البخاري – رحمه الله – لم يورد فيه إلا التعديل، ولم يورد فيه كلام الطعن وخصوصاً كلام مالك، فكأنه لا يثبت عنده قول مالك بتكذيبه، أو أن ذلك عنده لأمر غير الرواية، فهو من قبيل كلام الأقران، ولا يقبل كلام الأقران بعضهم في بعض.

يدل على ذلك ما نقله الذهبي في ((السير)) (7/ 4)، قال:

((قال البخاري: ولو صح عن مالك تناوله من ابن إسحاق، فلربما تكلم الإنسان، فيرمي صاحبه بشىء واحد، ولايتهمه في الأمور كلها)).

وقال الذهبي في ((الميزان)) (3/ 471):

((لم يذكر ابن إسحاق أبو عبدالله البخاري في كتاب الضعفاء له)).

وقد نفى التهمة عن ابن إسحاق سفيان بن عيينة.

قال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (2/ 3/192):

حدثنا صالح بن أحمد بن محمد بن حنبل، حدثنا على بن المديني، قال: سمعت سفيان بن عيينة سئل عن محمد بن إسحاق، فقيل له: لم يرو أهل المدينة عنه، قال:

جالست ابن إسحاق بضعاً وسبعين سنة، وما يتهمه أحد من أهل المدينة، ولا تقول في شيئاً.

وسنده صحيح.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير