? بل التعبير عن ذلك بالظن واليقين هو من محدثات هؤلاء المبتدعة تدليساً عن إطلاق الأئمة المتقدمين وهو: (إفادة العلم والعمل)، فإنهم لما زأوا أن الأئمة المتبوعين، وأهل النظر والتحقيق منهم يثبتون ذلك بقولهم أن أحاديث الآحاد تفيد العلم والعمل جميعاً، أى أنها يقينية الثبوت على إطلاق هؤلاء المبتدعة أرادوا طمس هذا الوصف القديم بالوصف المحدث تمويهاً منهم وتلبيساً، كما فعل اللفظية حين أطلقوا قولهم البدعي ((لفظنا بالقرآن مخلوق)) بعد أن تصدى لهم أهل السنة فيما ادعوه صراحة من أبي القرآن الكريم مخلوق، فجنحوا للقول الثاني تمويهاً وتعمية، وكذلك هم فعلوا في أحاديث الآحاد.
? والذي عليه متقدمو أهل الحديث، وأهل السنة الجماعية: أن حديث الواحد الصحيح الإسناد بنقل العدل الضابط عن مثله، إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة يفيد العلم والعمل جميعاً، أي أنه قطعي الثبوت – كما يعبر عنه
? ونقل ابن عبدالبر في ((التمهيد)) (1/ 8) هذا القول عن:
((قوم كثير من أهل الأثر، وبعض أهل النظر، منهم الحسين الكرابيسى وغيره، وذكر خواز بنداذ أن هذا القول يخرج على مذهب مالك)).
? وإليه ذهب ابن حزم، ونه أخذ، ونقله عن داود الظاهري، والحارث ابن أسد المحاسبي، كما في كتابه ((الإحكام في أصول الأحكام)) (1/ 115).
? وهو مذهب البخاري والشافعي.
فأما البخاري فأفرد له باباً من أبواب ((صحيحه)) (4/ 252) فقال: (باب: ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق في الأذان والصلاة والصوم والفرائض والأحكام).
وأورد فيه أخباراً على ما ترجم له.
وأما الشافعي فقال في ((الرسالة)) (ص401):
((الحجة في تثبيت خبر الواحد)).
ثم ساق الأدلة على ذلك.
فلا حجة بعد ذلك فيما نقله ابن عبدالبر من أن الشافعي يذهب إلى إثبات العلم دون العمل لأحاديث الآحاد.
? ونقل أبو القاسم الأصبهاني في كتابه ((الحجة)) (2/ 214) عن الإمام أبي المظفر السمعاني قوله – في الرد على ما قال بأنه لا يفيد العلم والعمل -:
((وهذا رأس شغب المبتدعة في رد الأخبار، وطلب الدليل من النظر والإعتبار فنقول، وبالله التوفيق:
إن الخبر إذا صح عن رسول الله ?، ورواه الثقات والأئمة، وأسنده خلفهم عن سلفهم إلى رسول الله ?، وتلقته الأمة بالقبول: فإنه يوجب وتلقته الأمة بالقبول: فإنه يوجب العلم فيما سبيله العلم.
هذا قول عامة أهل الحديث والمتقنين على السنة، وإنما هذا القول الذي يذكر أن خبر الواحد لا يفيد العلم بحال، ولا بد من نقله بطريق التواتر لوقوع العلم به: شيء أخترعه القدرية والمعتزلة، وكان قصدهم منه رد الأخبار، وتلقفه منهم بعض الفقهاء الذين لم يكن لهم علم في العلم وقدم ثابت، ولم يقفوا على مقصودهم من هذا القول، ولو أنصفت الفرق من الأمة لأقروا بأن خبر الواحد يوجب العلم، فإنهم تراهم مع أختلاف في طرائقهم وعقائدهم يستدل كل فريق منهم على صحة ما يذهب إليه بالخبر الواحد)).
وقال: ((فإذا قلنا: إن خبر الواحد لا يجوز أن يوجب العلم، حملنا أمر الأمة في نقل الأخبار على الخطأ، وعلناهم لاغين، مشتغلين بما لا يفيد أحداً شيئاً، ولا ينفعه، ويصير كأنهم قد دنوا في أمور مالا يجوز ارجوع إليه، والاعتماد عليه، وربما يرتقى هذا القول إلى أعظم من هذا، فإن النبي ? أدى هذا الدين إلى الواحد فالواحد من أصحابه، ليؤدوه إلى الأمة، ونقلوا عنه، فإذا لم يقبل قول الراوى لأنه واحد، رجع هذا العيب إلى المودى، نعوذ بالله من هذا القول الشنيع، والاعتقاد القبيح)).
وأما ما احتج به ذلك الخائب في مقدمته لكتاب ابن الجوزي من فعل بعض الصحابة في رد بعض الأخبار التى رواها غيرهم عن النبي ? فلا تدل بحال من الأحوال على ماذهب إليه من نفي ذلك.
¥