((وإنما أنكر عمر عندنا على أبي موسى حيث روى عن النبي ? أنه قال: الاستئذان ثلاث، فإذا أذن لك وإلا فارجع، وقد كان عمر استأذن على النبي ? ثلاثاً فأذن له، ولم يكن علم هذا الذي رواه أبو موسى عن النبي ? أنه قال: فإن أذن لك فإلا فارجع)).
فالذي دفع عمر الإنكار الزيادة الأخيرة التي تخالف ماوقع له مع النبي ?، وكذلك فللترهيب من التساهل في الرواية، والحث على الاحتياط فيها.
قال الخطيب البغدادي – رحمه الله – في ((شرف أصحاب الحديث)) (ص: 92 – 93):
((لم يطلب عمر من أبي موسى رجلاً يشهد معه هذا الحديث لأنه كان لا يرى قبول خبر الواحد العدل!! وكيف يقول ذلك، وهو يقبل رواية عبدالرحمن بن عوف عن النبي ? في أخذ الجزية من المجوس، ويعمل به، ولم يروه غير عبدالرحمن، وكذلك حديث الضحاك بن سفيان الكلابي في توريث أمرأة اشيم الضبابي من دية زوجها، ولا فعل عمر ذلك لأنه كان يتهم أبا موسى في روايته، لكن فعله على الوجه الذي بيناه من الاحتياط لحفظ السنن والترهيب في الرواية)).
ثم قال السقاف (ص: 39) تحت عنوان: ((خبر الواحد ينبغي التثبيت منه ولو كان راويه صحابياً، ويفيد الظن عند الإمام علي ?)):
(روى الإمام أحمد في ((المسند)) (1/ 10) بإسناد صحيح عن اسماء بن الحكم الفزاري، قال سمعت علياً قال: كنت إذا سمعت من رسول الله ? حديثاً نفعني الله بما شاء أن ينفعني منه، وإذا حدثني غيري عنه استخلفه، فإذا حلف لي صدقته، وحدثني أبو بكر، وصدق أبو بكر …. فذكر حديثاً مرفوعاً).
قال السقاف:
(لو كان خبر الواحد بفيد العلم ولا يفيد الظن لاكتفى سيدنا علي عليه السلام و ? الله عنه بسماع خبر الواحد، ولما استخلفه، لأنه باستخلافه يؤكد خبره، أو يصرح الراوي بأنه غير متأكد من الخبر … .. ).
? قلت: وقبل أن أجيب عن كلامه الواهي هذا، أفطن القارئ الكريم وأنبهه إلى ذلك الحقد الشيعي، بل الرافضي الخبيث الذي يكنه هذا المتهالك لجماعة صحابة رسول الله ?، لا سيما معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص – ? -.
فأنظر إلى قوله الخبيث: ((خبر الواحد ينبغي التثبيت منه ولو كان راويه صحابياً، ويفيد عند الإمام علي ?)).
فهذا يحمل في طياته في عدالة الصحابة وحفظهم وأمانتهم، فمن سلف هذا الطعان في البحث عن أحوال الصحابة وسبر مارووه عن النبي ? إلا الروافض الخبثاء، وغلاة الشيعة اللئام.
? والجواب عن هذا الدليل الذي ذكره من وجهتين:
الأول: أن هذا الخبر مما استنكره ائمة الشأن كالبخاري والعقيلي، ومن المتأخرين الحافظ ابن حجر.
فأما الإمام البخاري فأشار إلى إنكارته فقال في ((التاريخ الكبير)) (2/ 1 /54): ((لم يتابع عليه، وقد روي أصحاب النبي ?، بعضهم عن بعض فلم يحلف بعضهم بعضاً)).
وأما العقيلي، فنقل في ((الضعفاء)) (1/ 107) كلام شيخه السابق، ثم قال: ((وحدثني عبدالله بن الحسن، وعن علي بن المديني، قال: قد روى عثمان بن المغيرة أحاديث منكرة من حديث ابي عوانة)).
كذا في الضعفاء، والصواب: (من حديث علي بن ربيعة) كما في ((التهذيب)).
قلت: لأن هذا الخبر من رواية عثمان بن المغيرة، عن علي بن ربيعة الوالبي، عن أسماء بن الحكم، عن علي به.
وقد حاول الحافظ المزي أن يدافع عن هذا الخبر بمتابعات عدة، فتعقبه الحافظ ابن الحجر في ((التهذيب)) (1/ 235) بقوله:
((المتابعات التى ذكرها لا تشد هذا الحديث شيئاً لأنها ضعيفة جداً)).
? قلت: وأسماء هذا لم يوثقه إلا العجلي وهو متساهل، وأما البزار، فقال: ((مجهول))، واستنكاره الأئمة لحديثه مما يوهن حاله، خصوصاً إذا كان مقلاً جداً من الرواية.
والثاني: أنه لو صح هذا الحديث فليس بدليل على ما بوب له السقاف، فإن الاستحلاف لا يفيد اليقين، ولا يصح بأي حال من الأحوال أن يعدل بالمتابعة وتكثير الطرق، وإنما الاستحلاف للترهيب من الرواية، والتشديد على من تساهل فيها، ثم إن علياً ? قبل الرواية من أبي بكر الصديق ? ولم يستحلفه، فهذا خارم لما ادعاه السقاف، وكذب السقاف فيما ادعاه.
¥