((فصلٌ في المرتد: وهو من كَفَرَ ولو مميزاً طَوْعاً ولو هازلاً؛ بعد إسلامه فمن ادعى النبوة أو أشرك بالله تعالى أو سبَّه أو سبَّ رسولاً أو مَلَكاً أو جحد ربوبيته أو وحدانيته أو صفة له، أو كتاباً أو رسولاً أو مَلَكاً له، أو وجوب عبادة من الخَمْس والطهارة، أو حكماً ظاهراً مُجمعاً عليه إجماعاً قطعياً كتحريم الزِّنا أو لحم الخنزير، أو جَحَد حِلَّ الخُبز ونحوه كاللَّحم والسَّمْن وغير ذلك، أو شكَّ فيه ومثله لا يجهلُه أو يجهلُه وعُرِّف فأصرَّ، أو سجد لكوكبٍ أو صنمٍ أو غيرهما، أو أتى بقولٍ أو فِعلٍ صريحٍ في الاستهزاء بالدين، أو امتهن القرآن، أو ادعى اختلافه أو القدرة على مثله، أو أسقط حرمته كَفَرَ.و لا يكفرُ من حكى كُفراً سمِعَه ولم يعتقده)) (3)
85. الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمّد بن عبدالوهَّاب. ت:1233هـ
قال في "الدَّلائل في حكم موالاة أهل الإشراك":
((اعلم رحمك الله: أنَّ الإنسان إِذا أَظهر للمشركين الموافقة على دينهم: خوفاً منهم ومداراةً لهم، ومداهنةً لدفع شرِّهم. فإِنَّه كافرٌ مثلهم وإنْ كان يكره دينَهم ويبغضهم، ويحبُّ الإسلام والمسلمين … ولا يستثنى من ذلك إلاَّ المُكرَه،وهو الذي يستولي عليه المشركون فيقولون له: اكْفُرْ أو افْعَلْ كذا وإلاَّ فعلنا بك وقتلناك. أو يأخذونَه فيعذِّبونه حتى يوافقهم. فيجوز له الموافقة باللِّسان، مع طُمأنينة القلب بالإيمان. وقد أجمع العلماء على أَنَّ من تكلَّم بالكفر هازِلاً أَنَّه يكفر. فكيف بمن أظهر الكفرَ خوفاً وطمعاً في الدُّنيا؟ …! وكثيرٌ من أهلِ الباطلِ إِنَّما يتركون الحقَّ خوفاً من زوال دنياهم. وإلاَّ فيعرفون الحقَّ ويعتقدونه ولم يكونوا بذلك مسلمين.
…قوله تعالى: ?وَقَدْ نَزَّل عَليْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُم (2) ?.
فذكر تبارك وتعالى أَنَّه نزَّل على المؤمنين في الكتاب: أَنَّهم إذا سمعوا آياتِ الله يُكْفَر بها، ويُسْتَهْزَأُ بها فلا يقعدوا معهم، حتى يخوضوا في حديثٍ غيره. وأَنَّ من جلس مع الكافرين بآياتِ الله، المستهزئين بها في حالِ كفرهم واستهزائهم فهو مثلُهم ولم يفرِّق بين الخائف وغيره. إلاَّ المٌكْرَه.
هذا وهم في بلد واحدٍ في أوَّل الإسلام. فكيف بمن كان في سَعَة الإسلام وعزِّه وبلاده، فدعا الكافرين بآياتِ الله المستهزئين بها إلى بلادِه، واتَّخذهم أولياءً وأصحاباً وجلساءً وسمع كفرَهم واستهزاءَهم وأقرَّهم. وطرَدَ أهل التوحيد وأبعدَهم؟ .. !
…قوله تعالى: ?مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَليْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللهِ وَلهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (1) ?.
فحكم تعالى حُكماً لا يبدَّل أنَّ من رجع عن دينِه إلى الكفر، فهو كافرٌ. سواءً كان له عذرٌ: خوفٌ على نفسٍ أو مالٍ أو أهلٍ أم لا. وسواءً كفر بباطنه وظاهره، أمْ بظاهره دون باطنه. وسواءً كفر بفعاله ومقاله، أم بأحدِهما دون الآخر.
وسواءً كان طامعاً في دنيا ينالها من المشركين أمْ لا… فهو كافرٌ على كلِّ حالٍ، إلا المُكرَه. وهو في لغتنا: المغصوب…
ثمَّ أخبر تعالى أنَّ على هؤلاء المرتدِّين، الشَّارحين صدورَهم بالكفر وإنْ كانوا يقطعون على الحقِّ، ويقولون ما فعلنا هذا إلاَّ خوفاً، فعليهم غضبٌ من الله، ولهم عذابٌ عظيمٌ ثم أخبر تعالى أَنَّ سبب هذا الكفر والعذاب ليس بسبب الاعتقادِ للشِّرك أو الجهل بالتَّوحيد، أو البغض للدِّين أو محبَّة للكفر، وإِنَّما سببه: أنَّ له في ذلك حظَّاً من حظوظ الدُّنيا فآثره على الدِّين وعلى رضى ربِّ العالمين. فقال: ?ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ? (1) فكفَّرهم تعالى، وأخبر أَنَّه لا يهديهم مع كونهم يعتذرونَ بمحبَّة الدُّنيا. ثم أخبر تعالى أنَّ
¥