و هذا الإقرار الذي تثبت به حقيقة الإسلام يشمل ثلاثة أمور: تصديق القلب، وانقياده، ونطق اللسان؛ و بانقياد القلب و نطق اللسان يتحقق الإقرار ظاهراً و باطناً، و ذلك يتضمن ما يعرف عن أهل العلم بالتزام شرائع الإسلام؛ و هو الإيمان بالرسول صلى الله عليه و سلم و بما جاءه به و عقدُ القلب على طاعته، فمن خلا عن هذا الالتزام لم يكن مقراً على الحقيقة.
فأما التصديق: فضده التكذيب و الشك و الإعراض.
وأما الإنقياد: فإنه يتضمن الاستجابة، والمحبة، والرضا والقبول، وضد ذلك الإباء، و الاستكبار و الكراهة لما جاء به الرسول صلى الله عليه و سلم.
و أما النطق باللسان: فضده التكذيب و الإعراض، فمن صدق بقلبه و كذب بلسانه فكفره كفر جحود، و من أقر بلسانه دون قلبه فكفره كفر نفاق.
فنتج عن هذا ستة أنواع من الكفر كلها ضد ما يتحقق به أصل الإسلام و هذه الأنواع هي:
1 - كفر التكذيب.
2 - كفر الشك.
3 - كفر الإعراض.
4 - كفر الإباء.
5 - كفر الجحود.
6 - كفر الإعراض.
و من كفر الإباء و الاستكبار: الامتناع عن متابعة الرسول صلى الله عليه و سلم، و الاستجابة لما يدعو إليه، و لو مع التصديق بالقلب و اللسان، و ذلك ككفر أبي طالب، و كفر من أظهر الاعتراف بنبوة النبي صلى الله عليه و سلم من اليهود و غيرهم.
وأما جواب السؤال الثاني:
وهو ما يخرج به المسلم عن الإسلام بحيث يصير مرتداً، فجماعه ثلاثة أمور:
الأول: ما يضاد الإقرار بالشهادتين، و هو أنواع الكفر الستة المتقدمة، فمتى وقع من المسلم واحد منها نقض إقراره و صار مرتداً.
الثاني: ما يناقض حقيقة الشهادتين (شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله):
أ- فحقيقة شهادة أن لا إله إلا الله: الكفر بالطاغوت و الإيمان بالله، و هذا يشمل التوحيد بأنواعه الثلاثة:
توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء و الصفات.
و هذا يتضمن الإيمان بأنه تعالى رب كل شيء و مليكه، و أنه ما شاء كان، و ما لم يشأ لم يكن، و انه الإله الحق الذي لا يستحق العبادة سواه، و أنه الموصوف بكل كمال والمنزه عن كل نقص، وأنه كما وصف نفسه و كما وصفه رسوله صلى الله عله و سلم من غير تعطيل ولا تمثيل، على حق قوله تعالى (ليس كمثله شيء و هو السميع البصير) الشورى:11.
و إقراده مع ذلك بالعبادة، و البراءة من كل ما يعبد من دونه.
و جملة ما يناقض التوحيد امور:
1 - جحد وجود الله، وهذا شر الكفر و الإلحاد و هو مناقض للتوحيد جملة، و منه القول بوحدة الوجود.
2 - اعتقاد أن مع الله خالقاً، ومدبراً، و مؤثراً مستقلاً عن الله في التأثير و التدبير، و هذا هو الشرك في الربوبية.
3 - اعتقاد أن لله مثلاً في شيء من صفات كماله، كعلمه، وقدرته.
4 - تشبيهه تعالى بخلقه في ذاته أو صفاته أو أفعاله، كقول المشبه: له سمع كسمعي، وبصر كبصري، ويدخل في ذلك وصفه بالنقائص كالفقر و البخل و العجز، و نسبة الصاحبة و الولد إليه.
5 - اعتقاد أن أحداً من الخلق يستحق العبادة مع الله، و هذا هو اعتقاد الشرك في الألهية، و لو لم يكن معه عبادة لغير الله.
و هذه الأمور الخمسة كلها تدخل في كفر الاعتقاد و شرك الاعتقاد.
6 - عبادة أحد مع الله بنوع من أنواع العبادة، و هذا هو الشرك في العبادة سواء اعتقد أنه ينفع و يضر، أو زعم أنه واسطة يقربه إلى الله زلفى، و من ذلك السجود للصنم.
و الفرق بين هذا و الذي قبله أن هذا من باب الشرك العملي المناقض لتوحيد العمل الذي هو إفراد الله بالعبادة، و ذاك من باب الشرك في الاعتقاد المنافي لاعتقاد تفرد الله بالإلهية و استحقاق العبادة.
و لما بين الاعتقاد و العمل من التلازم صار يعبر عن هذا التوحيد بتوحيد الإلهية، وتوحيد العبادة، وعن ضده بالشرك في الإلهية، أو الشرك في العبادة.
7 - جحد أسماء الله و صفاته أو شيء منها.
8 - السحر، و يشمل:
* ما يفرَّق به بين المرء و زوجه كسحر أهل بابل.
* ما يسحل أعين الناس حتى ترى الأشياء على غير حقيقتها كسحر سحرة فرعون.
* ما يكون بالنفث في العقد كسحر لبيد بن الأعصم و بناته.
و هذه الأنواع تقوم على الشرك بالله بعبادة الجن أو الكواكب.
¥