تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هذا البيت عُقد لإثبات هذه الصفة العظيمة صفة اليدين لله على وجه يليق بجلاله , وأهل السنة يثبتون اليدين لله حقيقة على الوجه اللائق بكمال الله وجلاله دون تشبيهٍ بيدي المخلوق , بل يقولون: لله يدان حقيقيتان لا تشبهان يدي المخلوق , وهذا شأنهم في إثبات جميع الصفات , فهم عند الإثبات يحذرون من منزلقين خطيرين هما: التعطيل والتمثيل , فمنهجهم في الصفات يقوم على أصلين هما: الإثبات بلا تمثيل , والتنزيه بلا تعطيل , فأهل السنة يثبتون اليد لله بلا تمثيل لها بصفة المخلوق وينزهون الله عن النقص , ولكن دون تعطيل له عن إثبات اليد الحقيقية اللائقة بجلاله وكماله.

ويضاد هذا المنهج الذي يقوم عليه مسلك أهل السنة في إثبات الصفات منهجان منحرفان:

الأول: إثباتٌ بمتثيلٍ , وهم المشبهة الذين يمثلون صفات الله بصفات خلقه وأهل السنة ليسوا مشبهةً إذ الشتبيه ضلال وكفر , لأن من يقول عن ربه إن يده كيده وسمعه كمسعه وبصره كبصره فهو إنما يعبد صنماً ووثناً من الأوثان.

الثاني: تنزيه بتعطيل , وهم المعطلة الذين يجحدون صفات الله وينفونها بحجة تنزيه الله عن مماثلة خلقه , وهم أقسام كثيرة: منهم من يعطل الأسماء والصفات , ومنهم من يعطل الصفات دون الأسماء , ومنهم من يعطل بعض الصفات دون بعض , ومعطِّل الصفات عابد للعدم , ولذا قيل: المشبه بعدا صنماً , والمعطل يعبد عدماً.

وهذان المنهجان وما تفرع عنهما يجمعهما وصف جامع وهو الإلحاد في أسماء الله وصفاته , وقد أمرنا الله تعالى أن نذر هذا المنهج وتوعد أهله باشد الوعيد في قوله (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) الأعراف180.

الممثلة يقولون في اليد: كأيدينا فلم يثبتوا لله يده التي تليق به , والمعطلة يقولون: يلزم من إثباتها التمثيل فلا نثبت لله بدا حقيقةً. ولهذا (فكل معطل ممثل وكل ممثل معطل).

(كل معطل ممثل) لأن تعطيله للصفات إنما قام على ساق التمثيل , فما جحد اليد إلا لأنه توهم أول الأمر أن إثباتها لله حقيقة يلزم منه التشبيه فنفى عن الله اليد , فهو لما يقرأ قوله تعالى (مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَأَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ العالين) ص75 / لا يفهم منه إلا يد المخلوق وهذا يدفعه إلى تنزيه الله , ولا سبيل عنده إلا تنزيه الله إلا بنفي اليد عن الله , وعلى هذا مضى عامة معطلة الصفات يعطلونها , لأنهم لا يفهمون من المضاف إلى الله إلا عين ما يرونه ويشاهدونه في المخلوق.

ولهذا يصرح بعضهم بهذا فيقولون (لا نعقل يداً إلا عين ما نراه في الشاهد) فهم فرو من شر ووقعوا في شر أخبث منه , ثم إنهم لما عطلوا صفة الله نتيجة للتمثيل الذي هم مرضى به انتقلوا منه إلى تمثيل آخر , فمثلوا الله إما بالمعدومات أو الجمادات أو الممتنعات بحسب نوع تعطيلهم , ويظهر من هذا أن كل معطل ممثل مرتين مرة قبل التعطيل ومره بعده , فكل تعطيل محفوف بتمثيل.

(وكل ممثل معطل) من يمثل صفة الله بصفة خلقه فهو معطل وليس معطلاً مرة واحدة بل معطل ثلاث مرات , فالذي يقرأ قوله تعالى ((مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ .. ) ص75 / ثم يفهم منها يد كأيديهم وقع في التعطيل ثلاث مرات:

1 - كونه عطل الله عن صفة اليد الحقيقية اللائقة به التي لا تشبه يد المخلوقين.

2 - كونه عطل هذا النص وهو قوله تعالى ((مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ .. ) ص75 / عن مدلوله , ومدلوله إثبات يد حقيقة تليق بالله , وصَرَفَه إلى إثبات يد تشبه يد المخلوقين.

3 - كونه عطل النصوص الكثيرة في القرآن النافية للشتبيه كقوله تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) الشورى11.

ولم يسلم من التعطيل والتمثيل أحد من الطوائف برمتها غير أهل السنة والجماعة , ومن سواهم معطلة ممثلة في الوقت نفسه , وإن كان يزعم كل واحد منهم ظاهر قوله أنه غير معطل أو غير ممثل.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير