تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(قال الحافظ – [أي ابن حجر] – استدل به من أثبت الجهة، وقال: هي جهة العلو وأنكر ذلك الجمهور، لأن القول بذلك يفضي إلى التحيز، تعالى الله عن ذلك، وقد اختلف في معنى النزول أقوال: فمنهم من حمله على ظاهره وحقيقته وهم المشبهة، تعالى الله عن قولهم، ومنهم من أنكر صحة الأحاديث الواردة في ذلك جملة، وهم الخوارج والمعتزلة، وهو مكابرة، ومنهم من أجراه على ما ورد مؤمناً به على طريق الإجمال، منزها الله تعالى عن الكيفية والتشبيه وهم جمهور السلف، ومنهم من أوله على وجه يليق مستعمل في كلام العرب، ومنهم من أفرط في التأويل حتى كاد يخرج إلى نوع من التحريف، ومنهم من فصل بين ما يمون تأويله قريباً مستعملاً في كلام العرب، بين ما يكون بعيداً مهجوراً، فأول في بعض، وفوض في بعض، وهو منقول عن مالك، وجزم به من المتأخرين ابن دقيق العيد).

قلت: فمن يقرا هذا الكلام يظن للوهلة الأولى أن الإمام مالك قد أول وفوض في أحاديث النزول، هذا لأن الغمارى قد أسقط من الكلام ما يدل على خلاف ذلك.

فنص كلام ابن حجر في ((الفتح)) (3/ 23): (استدل به من أثبت الجهة، وقال: هي جهة العلو، وأنكر ذلك الجمهور، لأن معنى القول بذلك يفضي إلى التحيز، تعالى الله عن ذلك، وقد اختلف في معنى النزول على أقوال: فمنهم من حمله على ظاهره وحقيقته وهم المشبهة، تعالى الله عن قولهم، ومنهم من أنكر صحة الأحاديث الواردة في ذلك جملة، وهم الخوارج والمعتزلة، وهو مكابرة، ومنهم من أجراه على ما ورد، مؤمناً به على طريق الإجمال، ومنزهاً الله تعالى الكيفية والتشبيه وهم جمهور السلف، {ونقله البيهقي عن الأئمة الأربعة، والسفيانين، والحمادين، والأوزاعي والليث، وغيرهم}، ومنهم من أوله على وجه ….).

فما أسقطه الغمارى يدل على دلالة قاطعة على أن مذهب الإمام مالك هو مذهب السلف من حيث الإيمان بصفة النزول، مع عدم الخوض في كيفيتها، وأن ما نقله الحافظ عن الإمام مالك في التأويل والتفويض فالأغلب أنه اعتمد في ذلك على الروايات الضعيفة الواردة عنه في ذلك، والتي سبق ذكرها، والتي لينها ابن رجب الحنبلي – رحمه الله -، والله أعلم.


الجزء الثامن عشر
ذكر أقوال من أثبت النزول للرب عز وجل من أهل العلم

* قال الإمام الترمذي – رحمه الله – في ((الجامع)) (3/ 50 - 51): بعد أن أخرج حديث: ((إن الله يقبل الصدقة، ويأخذها بيمينه … .. )). قال الترمذي: ((قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث وما يشبه هذا من الروايات من الصفات، ونزول الرب تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، وقالوا: قد ثبت الروايات في هذا، ويؤمن بها، ولا يتوهم، ولا يقال: كيف؟ هكذا روى عن مالك وسفيان بن عيينة وعبدالله بن المبارك أنهم قالوا في هذه الأحاديث: أمروها بلا كيف، وهكذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة، وأما الجهمية فأنكرت هذه الروايات وقالوا: هذا تشبيه)).

قلت: والمعنى بـ (الإمرار) أي إثبات الصفة كما وردت، ولا يقال: كيف ينزل؟ ولا يقال: ينزل كنزول … أو مثل نزول … وإنما يثبت له الصفة مع اعتقاد الكمال له سبحانه فيها وعدم التشبيه أو التجسيم أو التكييف.

? وقال إسحاق بن راهوية – رحمه الله -: جمعنى هذا المبتدع – إبراهيم بن أبي صالح – مجلس الأمير عبد الله بن طاهر، فسألني الأمير عن أخبار النزول،فسردتها، فقال ابن أبي صالح: كفرت برب ينزل من سماء إلى سماء، فقلت: آمنت برب يفعل ما يشاء (20).

? وقال حنبل بن إسحاق: سألت أبا عبدالله أحمد بن حنبل عن الأحاديث التي تروي عن النبي ?: ((إن الله عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا))؟ فقال أبو عبدالله: نؤمن بها، ونصدق بها، ولا نرد شيئاً منها إذا كانت أسانيدها صحاح، ولا نرد على رسول الله ? قوله، ولا نعلم أن ما جاء به الرسول حق. قلت لأبي عبدالله: ينزل الله إلى سماء الدنيا، قال: قالت: نزوله بعلمه؟ بماذا؟ قال لي: اسكت عن هذا، مالك ولهذا، أمض الحديث على ما روى، بلا كيف ولا حد إنما جاءت به الآثار، وبما جاء به الكتاب. قال الله عز وجل: {ولا تضربوا لله الأمثال}. ينزل كيف يشاء بعلمه، وقدرته، وعظمته، أحاط بكل شيء علماً، ولا يبلغ قدره واصف، ولا ينأى عنه هرب هارب (21).

? وقال إسحاق بن منصور الكوسج – رحمه الله -: قلت لأحمد – يعني ابن حنبل -: ((ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة، حين يبقى ثلث الليل الآخر إلى سماء الدنيا))، أليس تقول بهذه الأحاديث؟ و ((يراه أهل الجنة))، يعني ربهم عز وجل. و ((لاتقبحوا الوجه فإن الله عز وجل خلق آدم على صورته)). و ((اشتكت النار إلى ربها عز وجل حتى وضع فيها قدمه)). و ((إن موسى لطم ملك الموت)). قال أحمد: كل هذا صحيح. قال إسحاق: هذا صحيح، ولا يدعه إلا مبتدع أو ضعيف الرأي (22).

? وأخيراً أقول للسقاف: أبو الحسن الأشعري الذي تنسب نفسك إليه يثبت للرب عز وجل، ويثبت الأحاديث الواردة في النزول، وانظر إن شئت كتابه ((الإبانة)) (ص:122) باب ذكر الاستواء على العرش. وكتابه ((مقالات الإسلاميين)) (ص: 220 - 225) حيث قال: ((هذه حكاية جملة أقوال أصحاب الحديث وأهل السنة. . . . فذكرها، وذكر منها: ((ويصدقون بالأحاديث التي جاءت عن رسول الله ? أن الله سبحانه ينزل إلى السماء الدنيا فيقول: هل من مستغفر، كما جاء في الحديث عن رسول الله ? …. حتى قال: وبكل ما ذكرنا من قولهم نقول وإليه نذهب)). أهـ
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير