تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الرابعة: الطائفية وهي التعصب المقيت للطائفة التي ينتمي إليها، وهي داء قد ساد وعم، فلا تكاد تجد داعيا إلى الله ولا عالما ولا فقيها ولا مفكرا ولا عابدا ولا متكلما ولا فاضلا من فضلاء الناس –إلا من رحم الله- ناهيك عن عوامهم في عصرنا هذا البعيد عن مشكاة النبوة، إلا وهو يدعو إلى طائفته وإلى أصولها، ويعادي ويوالي من أجلها، وإن ادعى الدعوة إلى الكتاب والسنة والموضوعية والعقلانية واتباع الدليل، فواقع حاله وحقيقة جداله أنه بعيد كل البعد عن المنهج العلمي في نقد ومناظرة الخصم، وفي تحقيق ومعالجة المسائل وفقا لما أوصله إليه الدليل، دون سابق ظن واعتقاد يصادر على المطلوب، ودون خوف من فوات منفعة وجلب مضرة.

وبيان هذه الجملة أن تعلم أن أفضل ما اكتسبته النفوس وحصلته القلوب، ونال به العبد الرفعة والدرجات العالية في الدنيا والآخرة هو العلم والإيمان، ولهذا قرن بينهما سبحانه وتعالى في قوله: {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات}، ولكن أكثر الناس غالطون في حقيقة مسمى العلم والإيمان اللذين فيهما السيادة والرفعة، حتى إن كل طائفة تظن أن الحق وقف عليها، وأن ما معها من العلم والإيمان هو هذا الذي به تنال السعادة الكاملة والنعيم التام، وليس كذلك، بل أكثرهم ليس معهم إيمان ينجي، ولا علم يرفع، بل قد سدوا على نفوسهم طرق العلم والإيمان اللذين جاء بهما الرسول صلى الله عليه وسلم، ودعا إليهما الأمة، وكان عليهما هو وأصحابه من بعده، وتابعوهم على منهاجهم وآثارهم من كل خلف عدوله، فكل طائفة اعتقدت أن العلم ما معها، وفرحت، وتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون، وأكثر ما عندهم كلام وآراء وخرص وظنون، ولكن العلم وراء الكلام، كما قال حماد بن زيد: قلت لأيوب: العلم اليوم أكثر أو فيما تقدم؟ فقال: الكلام اليوم أكثر والعلم فيما تقدم أكثر، ففرق هذا الراسخ في العلم بين العلم والكلام، فهذا واقع الحال في زمن حماد وأيوب القريب من مشكاة النبوة، فماذا عن زماننا هذا؟، زمان الفتن المضلة كقطع الليل المظلم، زمان الإعلام ووسائله السريعة، فالكتب كثيرة جدا تغزو المكتبات، والكلام والجدال والمقدرات الذهنية كثيرة طافحة بها المواقع على شبكات الإنترنيت، والعلم بمعزل عن أكثرها، وهو ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل، فلقد قال تعالى: {فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم}، وقال: {ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم}، وقال في القرآن: {أنزله بعلمه}، أي: وفيه علمه.

فلما بعد العهد بالعلم النبوي، اتخذ كثير من الناس هواجس الأفكار وسوانح الخواطر والآراء علما، ووضعوا فيها الكتب وكدسوا فيها المقالات وأنفقوا فيها الأنفاس والأموال والأوقات، فضيعوا فيها الزمان، وملأوا بها الصحف مدادا والعقول فسادا والقلوب سوادا، حتى صرح كثير منهم أنه ليس في القرآن والسنة علم، وأن أدلتها لفظية لا تفيد يقينا ولا علما، وأنها إذا تعارضت مع العقل وجب تقديم العقل على النقل، و أن أحاديث الصفات أخبار آحاد لا تفيد إلى الظن والكلام في الصفات من المسائل العلمية فلا يجوز أن يحتج فيها بأخبار الآحاد، وأن الخلف أعلم من السلف من الصحابة والتابعين، وأن سبب تخلف المسلمين هو دينهم فنادوا بفصله عن حياتهم السياسية والاقتصادية ودعوا إلى العلمانية والانحلالية باسم التقدم والحرية، وصرخ الشيطان بهذه الكلمات فيهم، وأذن بها بين أظهرهم، حتى أسمعها دانيهم لقاصيهم، فانسلخت بها القلوب من العلم والإيمان كانسلاخ الحية من قشرها والثوب عن لابسه.

الخامسة: إن الفرقة والاختلاف لا بد من وقوعهما في الأمة فهو أمر لا مناص عنه، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحذر أمته منه، لينجو من الوقوع فيه من رحمه الله وشاء له السلامة، كما روى الإمام مسلم عن النزال بن سبرة عن عبد الله بن مسعود قال: سمعت رجلا قرأ آية سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ خلافها فأخذت بيده فانطلقت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فعرفت في وجهه الكراهية وقال: "كلاكما محسن ولا تختلفوا فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا"، ومثل ذلك ما رواه مسلم أيضا عن عبد الله بن رباح الأنصاري أن عبد الله بن عمرو قال: هجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فسمعت أصوات

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير