تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

رجلين اختلفا في آية فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف في وجهه الغضب فقال: "إنما هلك من كان قبلكم من الأمم باختلافهم في الكتاب" فعلل غضبه صلى الله عليه وسلم بأن الاختلاف في الكتاب هو كان سبب هلاك من قبلنا.

ومن هذه الأحاديث نستخلص ما يلي:

-نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الاختلاف الذي فيه جحد كل واحد من المختلفين ما مع الآخر من الحق، لأن كلا القارئين كان محسنا فيما قرأه، وهذا النهي يفيد التحريم.

-تعليل النبي صلى الله عليه وسلم لذلك بأن من كان قبلنا اختلفوا فهلكوا، ولهذا قال حذيفة لعثمان –رضي الله عنهما-: أدرك هذه الأمة لا تختلف في الكتاب كما اختلفت فيه الأمم قبلهم، لما رأى أهل الشام وأهل العراق يختلفون في حروف القرآن الاختلاف الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه دعوة للاعتبار بمن كان قبلنا والحذر من مشابهتهم حتى لا نهلك كما هلك من قبلنا.

واعلم أن أكثر الاختلاف بين الأمة الذي يورث الأهواء تجده من هذا الضرب، وهو أن يكون كل واحد من المختلفين مصيبا فيما يثبته أو في بعضه، مخطئا في نفي ما عليه الآخر، كما أن القارئين كل منهما كان مصيبا في القراءة بالحرف الذي علمه، مخطئا في نفي حرف غيره، فإن أكثر الجهل إنما يقع في النفي الذي هو الجحود والتكذيب، لا في الإثبات، لأن إحاطة الإنسان بما يثبته أيسر من إحاطته بما ينفيه، ولهذا نهيت هذه الأمة أن تضرب آيات الله تعالى بعضها ببعض لأن مضمون الضرب -حين يعتقد أن بينهما تضادا وأن الضدان لا يجتمعان- الإيمان بإحدى الآيتين والكفر بالأخرى، وهذا شر عظيم.

والمقصود أن هذا الاختلاف المذموم من الطرفين يكون عن سببين: تارة عن فساد القصد لما في نفوس الناس من البغي والحسد وحب الرئاسة وإرادة العلو في الأرض بغير حق والفساد فيها ونحو ذلك، فيلزم من ذلك ذم قول الآخر أو فعله أو غلبته وقهره ليتميز عليه، أو يحب قول من يوافقه في نسب أو مذهب أو بلد أو صداقة ونحو ذلك لما في قيام قوله من حصول الشرف والرئاسة له، وما أكثر هذا في بني آدم، وهذا ظلم حرمه الله تعالى، وتارة أخرى عن فساد التصور، ومنه جهل المختلفين بحقيقة الأمر الذي يتنازعان فيه، أو الجهل بأن كل من القولين هما في الواقع قول واحد لكن العبارتين مختلفتين كاختلاف عبارات الحدود والتعاريف الدالة على شيء واحد، أو الجهل بأن المعنيين غيريين كلاهما صحيح لكن لا يتنافيان، أو الجهل بالدليل الذي يرشد به أحدهما الآخر، أو جهل أحدهما بما مع الآخر من الحق في الحكم أو في الدليل، وإن كان عالما بما مع نفسه من الحق حكما ودليلا، أو الجهل بأن الطريقتين مشروعتين وكلاهما حسن في الدين، ولكن قد سلك رجل أو قوم هذه الطريقة وآخرون قد سلكوا الأخرى، ثم الجهل أو الظلم يحمل على ذم أحدهما أو تفضيله بلا قصد صالح أو بلا علم أو بلا نية، فالجهل والظلم هما أصل كل شر كما قال سبحانه وتعالى: {وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا}.

وعليه فأكثر ديانات الخلق إنما هي عادات أخذوها عن آبائهم وأسلافهم، قد تقدست آراؤهم عبر التاريخ، وقلدوهم فيها في الإثبات والنفي، والحب والبغض، والموالاة والمعاداة، والله سبحانه إنما ضمن نصر دينه وحزبه وأوليائه القائمين بدينه علما وعملا، لم يضمن نصر المتخاذلين عن دينه من أهل الباطل ولو اعتقد صاحبه أنه محق، قال تعالى: {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد}، وقال: {فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين}، وكذلك العزة والعلو إنما هما لأهل الإيمان الذي بعث الله به رسله وأنزل به كتبه، قال تعالى: {وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين}، وقال تعالى: {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين}، فللعبد من النصر والتأييد والعزة والعلو بحسب ما معه من الإيمان وحقائقه، فما فاته من العلو والعزة والنصر والتأييد ففي مقابلة ما فوته العبد من حقائق الإيمان علما وعملا وحالا ظاهرا وباطنا، وكذلك الدفع عن العبد هو بحسب إيمانه، قال تعالى: {إن الله يدافع عن الذين آمنوا}، فإذا ضعف الدفع عنه فهو من نقص إيمانه، وكذلك الكفاية والحسب هي بقدر إيمانه، قال تعالى: {يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين}، وكذلك معية الله تعالى الخاصة وولايته لعبده هي بحسب إيمانه، قال تعالى: {والله ولي المؤمنين}،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير