تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وعن هذا المنهاج يعبر ابن القيم، فيقول: "إن النصوص محيطة بأحكام الحوادث، ولم يحلنا الله ولا رسوله على رأى ولا قياس، وإن الشريعة لم تحوجنا إلى قياس قط، وإن فيها غنية عن كل رأى وقياس وسياسة واستحسان، ولكن ذلك مشروط بفهم يؤتيه الله عبده فيها".

فلقد ظل النص وحده هو المرجع عند هؤلاء السلفيين، لكن التطور قد أصاب هذا المنهاج النصي -فى مرحلة ابن تيمية وابن القيم- فحدث إعمال الفهم والعقل فى النصوص، دون الاكتفاء بالوقوف عند ظواهر هذه النصوص.

ولقد كان غلو هؤلاء السلفيين فى الانحياز إلى النص وحده، ثمرة لعوامل كثيرة، منها: مخافة غلو مضاد انحاز أهله -وهم فلاسفة العقلانية اليونانية من المشائيين- إلى عقلانية غير مضبوطة بالنص الديني، وأيضا النزعة الصوفية الباطنية الإشراقية، التي انحازت إلى الذوق والحدس، دونما ضابط من النص ولا من العقل.

ولأن هذه النزعات جميعها -النصية منها والعقلانية والباطنية- قد شابها قدر، كثير أو قليل، من الغلو، فلقد ظلت عاجزة عن استقطاب جمهور الأمة، وانحاز هذا الجمهور إلى النزعة الوسطية فى السلفية، تلك التي جمعت بين النقل والعقل ووازنت بينهما، وهى الأشعرية التي أسسها إمامها أبو الحسن الأشعرى: على بن إسماعيل (260 - 324هـ/874 - 936م) ففي هذه المدرسة من مدارس السلفيين اجتمع النقل والمأثور مع النظر العقلي والاشتغال بعلم الكلام -الذي حرم السلفيون النصيون الاشتغال به - مع علم أصول الفقه، الذي يمثل فلسفة العقلانية الإسلامية فى التشريع.

ثم تطورت هذه المدرسة -بعد مرحلة التأسيس- على يد كوكبة من أئمتها، فى مقدمتهم الباقلاني: أبو بكر محمد بن أبى الطيب (453هـ-1013م) وإمام الحرمين الجويني: أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله ابن يوسف (419 - 478هـ/1028 - 1085م) وحجة الإسلام أبو حامد الغزالي (450 - 505هـ/1058 - 1111م).

وعلى امتداد تاريخ الحضارة الإسلامية، ظلت هذه الصورة وهذه الموازنة ملحوظة فى مدارس ومذاهب السلفيين، فالنزعة النصية تمثلها فى عصرنا الحديث وواقعنا المعاصر دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب (1115 - 1206هـ/1702 - 1792م) المسماة بالوهابية، بينما لا تزال الأشعرية، الممثلة للعقلانية، النصية، تستقطب جمهور المسلمين.

د/محمد عمارة.

تعليق مجمل على كلام الدكتور عمارة:

فهذا كلام لواحد من فضلاء الأمة، قد تكلم بما يعتقده وبما أداه إليه اجتهاده إن كان من أهل الاجتهاد في هذه المسائل التي أثارها، لكنه جانب فيه الصواب، وتعدى على السنة وأئمتها، فالدكتور عمارة يزعم أن أهل السنة والحديث ليسوا هم السلفية الحقيقية، ولكنهم حرفيون ونصيون وأهل ظواهر وليس لهم فهم للنصوص، إلى أن جاء ابن تيمية وابن القيم فأعملوا العقل والفهم فيها على حد قوله، ثم إنهم هم و أهل النزعة العقلانية والباطنية الصوفية على طرفي الغلو؛ قد فشلوا في استقطاب جمهور الناس، وكأن الحق في نظر الدكتور يوزن بعدد الملتزمين به، ونسي أن الله تعالى غني عن العالمين وأنه يرضى عن عبده إذا كان على الحق ولو كان وحده، ثم يقرر الدكتور أن الأشعرية هم أهل الوسط الذين استطاعوا استقطاب الناس وفازوا بالعدد الكبير منهم، لأنهم في نظره هم الذين جمعوا بين العقل والنقل ووازنوا بينهما، وبعد هذا يزعم أن أئمة الدين هم أبو المعالي الجويني وأبو حامد الغزالي، فهؤلاء في نظر الدكتور هم أئمة الطائفة الوسطية المتمثلة في الأشاعرة، لكن كلا المقدمتين خاطئتين، فلا الأشاعرة هم أهل الوسط ولا الجويني والغزالي هم أئمة الدين، وما يلي سيكون إن شاء الله تعالى تفصيلا لهذه الجملة.

قاعدة في التزكية والتفضيل:

إن التفضيل بين الأشخاص لا يتم إلا إذا حرر محل التفضيل، فالتفضيل بدون التفصيل لا يستقيم، فإن أريد بالفضل كثرة الثواب عند الله عز وجل فذلك أمر لا يطلع عليه إلا بالنص، لأنه بحسب تفاضل أعمال القلوب لا بمجرد أعمال الجوارح، وكم من عاملين أحدهما أكثر عملا بجوارحه والآخر أرفع درجة منه في الجنة، وإن أريد بالتفضيل التفضيل بالعلم، فلا ريب أن أئمة السنة كالإمام أحمد والإمام مالك والإمام الشافعي وشيخ الإسلام ابن تيمية والإمام ابن القيم أعلم وأنفع للأمة من الجويني والغزالي وغيرهما من الأشاعرة وغير الأشاعرة، فقد أدركوا من العلم ما لم يدركه غيرهم، وقد أدوا إلى الأمة من العلم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير