تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثم بين هذا الإمام الواجب على كل من تصدر للكلام في الدين، وأن الفقهاء الفهماء من أهل الحديث كانوا أكثر الناس عناية بالسنة جمعا وضبطا واستنباطا ونظرا، وأنه لولاهم لبطلت الشريعة وتعطلت أحكامها، وأنه لو عرف للإسلام حقه وأوجب للدين حرمته أكبر أن يحتقر من عظم الله شأنه وأعلى مكانه وأظهر حجته وأبان فضيلته، ولم يرتق بطعنه إلى حزب الرسول، وأتباع الوحي، وأوعية الدين، وخزنة العلم كما سماهم.

قال الخطيب في الكفاية في علم الرواية ج: 1 ص: 3

ولما كان ثابت السنن والآثار وصحاح الأحاديث المنقولة والأخبار ملجأ المسلمين في الأحوال، ومركز المؤمنين في الأعمال، إذ لا قوام للإسلام إلا باستعمالها، ولا ثبات للإيمان إلا بانتحالها، وجب الاجتهاد في علم أصولها، ولزم الحث على ما عاد بعمارة سبيلها، وقد استفرغت طائفة من أهل بكذا وسعها في كتب الأحاديث والمثابرة على جمعها، أن يسلكوا مسلك المتقدمين، وينظروا نظر السلف الماضين في حال الراوي والمروى، وتمييز سبيل المرذول والمرضى، واستنباط ما في السنن من الأحكام، وإثارة المستودع فيها من الفقه بالحلال والحرام، بل قنعوا من الحديث باسمه، واقتصروا على كتبه في الصحف ورسمه، فهم أغمار وحملة أسفار، قد تحملوا المشاق الشديدة وسافروا إلى البلدان البعيدة وهان عليهم الدأب والكلال، واستوطئوا مركب الحل والارتحال، وبذلوا الأنفس والأموال، وركبوا المخاوف والأهوال، شعث الرؤوس شحب الألوان خمص البطون نواحل الأبدان، يقطعون أوقاتهم بالسير في البلاد طلبا لما علا من الإسناد، لا يريدون شيئا سواه، ولا يبتغون إلا إياه، يحملون عمن لا تثبت عدالته، ويأخذون ممن لا تجوز أمانته، ويروون عمن لا يعرفون صحة حديثه، ولا يتيقن ثبوت مسموعه، ويحتجون بمن لا يحسن قراءة صحيفته، ولا يقوم بشيء من شرائط الرواية، ولا يفرق بين السماع والإجازة، ولا يميز بين المسند والمرسل والمقطوع والمتصل، ولا يحفظ اسم شيخه الذي حدثه حتى يستثبته من غيره، ويكتبون عن الفاسق في فعله المذموم في مذهبه، وعن المبتدع في دينه المقطوع على فساد اعتقاده، ويرون ذلك جائزا، والعمل بروايته واجبا إذا كان السماع ثابتا والإسناد متقدما عاليا، فجر هذا الفعل منهم الوقيعة في سلف العلماء، وسهل طريق الطعن عليهم لأهل البدع والأهواء، حتى ذم الحديث وأهله بعض من ارتسم بالفتوى في الدين، ورأى ثم إعجابه بنفسه أنه أحد الأئمة المجتهدين، بصدوفه عن الآثار إلى الرأي المرذول، وتحكمه في الدين برأيه المعلول، وذلك منه غاية الجهل ونهاية التقصير عن مرتبة الفضل، ينتسب إلى قوم تهيبوا كد الطلب ومعاناة ما فيه من المشقة والنصب، وأعيتهم الأحاديث أن يحفظوها واختلفت عليهم الأسانيد فلم يضبطوها، فجانبوا ما استثقلوا، وعادوا ما جهلوا، وآثروا الدعة واستلذوا الراحة، ثم تصدروا في المجالس قبل الحين الذي يستحقونه، وأخذوا أنفسهم بالطعن على العلم الذي لا يحسنونه، إن تعاطى أحدهم رواية حديث فمن صحف ابتاعها، كفى مئونة جمعها سماع لها ولا معرفة بحال ناقلها، وان حفظ شيئا منها خلط الغث بالسمين، وألحق الصحيح بالسقيم، وإن قلب عليه إسناد خبر أو سئل عن علة تتعلق بأثر تحير واختلط وغيث بلحيته وامتخط تورية عن مستور جهالته، فهو كالحمار في طاحونته، ثم رأى ممن يحفظ الحديث ويعانيه ما ليس في وسعه الجريان فيه، فلجأ إلى الازدراء بفرسانه، واعتصم بالطعن على الراكضين في ميدانه، كما أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر بن جعفر الخرقي أنا احمد بن جعفر بن محمد بن سلم الختلي قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن على الأبار قال: رأيت بالأهواز رجلا حف شاربه وأظنه قد اشترى كتبا وتعبأ للفتيا فذكروا أصحاب الحديث فقال: ليسوا بشيء وليس يسوون شيئا، فقلت له: أنت لا تحسن تصلي، قال: أنا؟ قلت: نعم، قلت: أيش تحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتحت الصلاة ورفعت يديك فسكت، فقلت: وأيش تحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وضعت يديك على ركبتيك فسكت، قلت: أيش تحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجدت فسكت، قلت: مالك لا تكلم؟ ألم أقل لك أنك لا تحسن تصلي؟ أنت إنما قيل لك: تصلي الغداة ركعتين والظهر أربعا فالزم ذا خير لك من أن تذكر أصحاب الحديث، فلست بشيء، ولا تحسن شيئا، فهذا المذكور مثله في الفقهاء كمثل من

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير