تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ومن اتبعهم هم الجماعة وهم الفرقة الناجية، وليس كل من خالف في شيء مما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يجب أن يكون هالكا، فإنه قد يكون مجتهدا مخطئا يغفر الله خطأه، وقد لا يكون بلغه في ذلك من العلم ما تقوم به عليه الحجة النبوية، وقد يكون له من الحسنات ما يمحو الله به سيئاته، وإذا كانت ألفاظ الوعيد المتناولة لمن ارتكب جرما كأكل مال اليتيم مثلا، أو الجس، أو شرب الخمر، لا يجب أن يدخل فيها المتأول والقانت وذو الحسنات الماحية والمغفور له وغير ذلك، فكذلك من خالف في شيء من اعتقاد أهل السنة والجماعة.

وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- عن افتراق الأمة إلى ناجية وهالكة فقال في مجموع الفتاوى ج: 3 ص: 345: "ولهذا وصف الفرقة الناجية بأنها أهل السنة والجماعة وهم الجمهور الأكبر والسواد الأعظم، وأما الفرق الباقية فإنهم أهل الشذوذ والتفرق والبدع والأهواء، ولا تبلغ الفرقة من هؤلاء قريبا من مبلغ الفرقة الناجية، فضلا عن أن تكون بقدرها، بل قد تكون الفرقة منها في غاية القلة، وشعار هذه الفرق مفارقة الكتاب والسنة والإجماع، فمن قال بالكتاب والسنة والإجماع كان من أهل السنة والجماعة".

وعليه فإن خصوصية الفرقة الناجية هي الجماعة وهي اتباع النبي صلى الله عليه وسلم حق الإتباع بالرجوع إلى الكتاب والسنة والإجماع، وخصوصية الفرق الهالكة هي الفرقة والاختلاف واتباع الهوى ومخالفة الكتاب والسنة والإجماع، وهذا لا يعني أن أفراد الفرقة الناجية لا يخطئون ولا يختلفون، بل قد كان ذلك في فضلاء الصحابة لكن دون اتباع الهوى، ولكن المقصود الكلام عن المخالفة التي تخرج صاحبها عن دائرة الفرقة الناجية، وتلقي به في أحضان الهالكة.

قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى ج: 3 ص: 348

"ومما ينبغي أيضا أن يعرف أن الطوائف المنتسبة إلى متبوعين في أصول الدين والكلام على درجات: منهم من يكون قد خالف السنة في أصول عظيمة، ومنهم من يكون إنما خالف السنة في أمور دقيقة، ومن يكون قد رد على غيره من الطوائف الذين هم أبعد عن السنة منه؛ فيكون محمودا فيما رده من الباطل وقاله من الحق، لكن يكون قد جاوز العدل في رده بحيث جحد بعض الحق وقال بعض الباطل، فيكون قد رد بدعة كبيرة ببدعة أخف منها، ورد بالباطل باطلا بباطل أخف منه، وهذه حال أكثر أهل الكلام المنتسبين إلى السنة والجماعة، ومثل هؤلاء إذا لم يجعلوا ما ابتدعوه قولا يفارقون به جماعة المسلمين يوالون عليه ويعادون كان من نوع الخطأ، والله سبحانه وتعالى يغفر للمؤمنين خطأهم في مثل ذلك، ولهذا وقع في مثل هذا كثير من سلف الأمة وأئمتها لهم مقالات قالوها باجتهاد وهي تخالف ما ثبت في الكتاب والسنة، بخلاف من والى موافقه وعادى مخالفه، وفرق بين جماعة المسلمين، وكفر وفسق مخالفه دون موافقه في مسائل الآراء والاجتهادات، واستحل قتال مخالفه دون موافقه، فهؤلاء من أهل التفرق والاختلافات".

قلت: فهذا شيخ الإسلام –رحمه الله- قد جعل من ابتدع قولا مخالفا للسنة؛ إن لم يتعصب له فيوالي عليه ويعادي عليه؛ من أهل الخطأ، ولم يخرجه عن دائرة أهل السنة، وجعله صنفا أخر مغايرا لمن كان من أهل الأهواء؛ فتعصب لبدعته بهواه؛ ممتحنا فيها الناس؛ حاكما عليهم بالتكفير أو التبديع أو التفسيق.

قال الشيخ الألباني نقلا عن الشيخ صالح المقبلي –رحمهم الله- في شرح الحديث المذكور أعلاه "سلسلة الأحاديث الصحيحة" رقم 2

"إن الناس عامة وخاصة، فالعامة آخرهم كأولهم، كالنساء والعبيد والفلاحين والسوقة ونحوهم ممن ليس من أمر الخاصة في شيء؛ فلا شك في براءة آخرهم من الابتداع كأولهم.

وأما الخاصة؛ فمنهم مبتدع اخترع البدعة وجعلها نصب عينيه، وبلغ في تقويتها كل مبلغ، وجعلها أصلا يرد إليها صرائح الكتاب والسنة، ثم تبعه أقوام من نمطه في الفقه والتعصب، وربما جددوا بدعته وفرعوا عليها وحملوه ما لم يتحمله، ولكنه إمامهم المقدم، وهؤلاء هم المبتدعة حقا، وهو شيء كبير {تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا}؛ كنفي حكمة الله تعالى، ونفي إقداره المكلف، وككونه يكلف ما لا يطاق، ويفعل سائر القبائح ولا تقبح منه، وأخواتهن! ومنها ما هو دون ذلك، وحقائقها جميعا عند الله تعالى، ولا ندري بأيها يصير

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير