تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هذا والأشعري أقرب إلى السلف من القاضي أبي بكر الباقلاني، والقاضي أبو بكر وأمثاله أقرب إلى السلف من أبى المعالي وأتباعه، فان هؤلاء نفوا الصفات كالاستواء والوجه واليدين، ثم اختلفوا هل تتأول أو تفوض على قولين أو طريقين: فأول قولي أبي المعالي هو تأويلها كما ذكر ذلك في الإرشاد، وآخر قوليه تحريم التأويل كما ذكره في الرسالة النظامية، مستدلا بإجماع السلف على منع التأويل، وأما الأشعري نفسه وأئمة أصحابه فلم يختلف قولهم في إثبات الصفات الخبرية وفى الرد على من يتأولها، كمن يقول استوى بمعنى استولى، وهذا مذكور في كتبه كلها، كالموجز الكبير و المقالات الصغيرة والكبيرة و الإبانة وغير ذلك، وهكذا نقل عنه إثبات الصفات الخبرية سائر الناس، حتى المتأخرون كالرازي والآمدي ينقلون عنه ذلك، ولا يحكون عنه في ذلك قولين، فمن قال أن الأشعري كان ينفيها، وأن له في تأويلها قولين فقد افترى عليه، ولكن هذا فعل طائفة من متأخري أصحابه كأبي المعالي ونحوه، فإن هؤلاء أدخلوا في مذهبه أشياء من أصول المعتزلة.

فالأشعري شخصية مركبة، قليل من الناس من يفهمها، وأحسن وأعدل ترجمة له تلك الكلمات المتفرقة لشيخ الإسلام في كتبه، وإليك بعضها:

قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى ج: 12 ص: 204

والأشعري ابتلى بطائفتين: طائفة تبغضه وطائفة تحبه، كل منهما يكذب عليه ويقول: إنما صنف هذه الكتب تقية وإظهارا لموافقة أهل الحديث والسنة من الحنبلية وغيرهم، وهذا كذب على الرجل، فإنه لم يوجد له قول باطن يخالف الأقوال التي أظهرها، ولا نقل أحد من خواص أصحابه ولا غيرهم عنه ما يناقض هذه الأقوال الموجودة في مصنفاته، فدعوى المدعي أنه كان يبطن خلاف ما يظهر دعوى مردودة شرعا وعقلا، بل من تدبر كلامه في هذا الباب في مواضع تبين له قطعا أنه كان ينصر ما أظهره، ولكن الذين يحبونه ويخالفونه في إثبات الصفات الخبرية يقصدون نفى ذلك عنه لئلا يقال: إنهم خالفوه مع كون ما ذهبوا إليه من السنة قد اقتدوا فيه بحجته التي على ذكرها يعولون وعليها يعتمدون، والفريق الآخر دفعوا عنه لكونهم رأوا المنتسبين إليه لا يظهرون إلا خلاف هذا القول، ولكونهم اتهموه بالتقية، وليس كذلك، بل هو انتصر للمسائل المشهورة عند أهل السنة التي خالفهم فيها المعتزلة، كمسألة الرؤية و الكلام واثبات الصفات ونحو ذلك، لكن كانت خبرته بالكلام خبرة مفصلة، وخبرته بالسنة خبرة مجملة، فلذلك وافق المعتزلة في بعض أصولهم التي التزموا لأجلها خلاف السنة، واعتقد أنه يمكنه الجمع بين تلك الأصول وبين الانتصار للسنة، كما فعل في مسألة الرؤية والكلام والصفات الخبرية وغير ذلك، والمخالفون له من أهل السنة والحديث ومن المعتزلة والفلاسفة يقولون إنه متناقض، وإن ما وافق فيه المعتزلة يناقض ما وافق فيه أهل السنة، كما أن المعتزلة يتناقضون فيما نصروا فيه دين الإسلام، فإنهم بنوا كثيرا من الحجج على أصول تناقض كثيرا من دين الإسلام، بل جمهور المخالفين للأشعري من المثبتة والنفاة يقولون: إنما قاله في مسألة الرؤية والكلام معلوم الفساد بضرورة العقل، ولهذا يقول أتباعه: إنه لم يوافقنا أحد من الطوائف على قولنا في مسألة الرؤية والكلام، فلما كان في كلامه شوب من هذا وشوب من هذا صار يقول من يقول: إن فيه نوعا من التجهم، وأما من قال: إن قوله قول جهم فقد قال الباطل، ومن قال: إنه ليس فيه شيء من قول جهم فقد قال الباطل، والله يحب الكلام بعلم وعدل، وإعطاء كل ذي حق حقه، وتنزيل الناس منازلهم، (انتهى).

قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى ج: 16 ص: 307

وكثير من الكتب المصنفة في أصول الدين و الكلام يوجد فيها الأقوال المبتدعة، دون القول الذي جاء به الكتاب والسنة، فالشهرستاني مع تصنيفه في الملل والنحل يذكر في مسألة الكلام والإرادة وغيرهما أقوالا ليس فيها القول الذي دل عليه الكتاب و السنة، و إن كان بعضها أقرب، وقبله أبو الحسن كتابه في اختلاف المصلين من أجمع الكتب، وقد استقصى فيه أقاويل أهل البدع، ولما ذكر قول أهل السنة والحديث ذكره مجملا غير مفصل، وتصرف في بعضه، فذكره بما اعتقده هو أنه قولهم من غير أن يكون ذلك منقولا عن أحد منهم، وأقرب الأقوال إليه قول ابن كلاب، فأما ابن كلاب فقوله مشوب بقول الجهمية، وهو مركب من قول أهل السنة وقول الجهمية،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير