تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وبهذا التقى الحديث والسنة والآثار مع الفقه، وسواء أكان طلبه للفقه سابقا للحديث والسنة أم كان بعد أن اتجه إلى الآثار، وجمع منها الكثير، فإنه من المؤكد أنه اتجه إلى الفقه، والذي أراه في هذه القضية أنه اتجه إلى الفقه بدراسة عميقة عندما أخذ يدرس الفقه في المرويات التي آل إليه علمها، فإنه طلب فقه الصحابة، وخصص لكل صحابي سندا قائما بذاته في كتابه "المسند" وفي كل سند لصحابي من المجتهدين الذين اشتهروا بالإفتاء كعلي بن أبي طالب، وزيد بن ثابت وخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر، وأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين، فلا بد أنه كان يعنى بدراسة فقه هؤلاء، وتعرف غاياته ومراميه، وأن دراسة فقه هؤلاء وغيرهم كعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص- يرهف عقل الراوي المستيقظ، ويعطيه ملكة فقهية عميقة؛ وإذا أضيف إلى ذلك أنه التقى بضابط علم الاستنباط الإمام الشافعي رضي الله عنه، فإنه بلا ريب يكون فقيها عريقا في فقه السنة، لا يمكن في آرائه أن يخرج عن سمت الشريعة المستقيم".

الحمد والذم إنما يكون بحسب موقع العبد من الحديث والسنة قربا وبعدا:

إن القاسم المشترك بين جميع المسلمين هو كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا ينال الكمال إلا من جهتهما، وكل كمال ناله أحدهم إلا وهو يشارك غيره في بعضه ويمتاز عليه بما اختص به من مزيد إتباعه للنبي صلى الله عليه وسلم، وعليه، فأهل الحديث والأثر يشاركون كل طائفة فيما يتحلون به من صفات الكمال، ويمتازون عنهم بما ليس عندهم من مزيد عنايتهم بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فإن المنازع لهم لا بد أن يذكر فيما يخالفهم فيه طريقا أخرى، مثل المعقول والقياس والرأي والكلام والفكر والنظر والاستدلال والمحاجة والمجادلة والمكاشفة والمخاطبة والحال والوجد والذوق ونحو ذلك، ومن المعلوم أن الصحابة رضوان الله عليهم هم أكمل الخلق في هذه الطرق جميعها علما وعملا وحالا، ومن المعلوم أيضا أن أهل الحديث هم أقرب الناس إليهم، فهم قد نالوا من هذه الطرق صفوتها، وخلاصتها، فكانوا أكمل الناس عقلا، وأعدلهم قياسا، وأصوبهم رأيا، وأسدهم كلاما، وأصحهم فكرا ونظرا، وأهداهم استدلالا، وأقومهم جدلا، وأتمهم فراسة، وأصدقهم إلهاما، وأحدهم بصرا ومكاشفة، وأصوبهم سمعا ومخاطبة، وأعظمهم وأحسنهم وجدا وذوقا وأشرفهم حالا وأعلاهم مقاما، وهذا هو للمسلمين بالنسبة إلى سائر الأمم ولأهل السنة والحديث بالنسبة إلى سائر الملل.

وهذا لا ينبع عن محض تقليد أو عصبية كما يدعيه كثيرون، ولكن لما كان اعتقاد الحق الثابت يقوى الإدراك ويصححه، قال تعالى: {والذين اهتدوا زادهم هدى}، وقال: {ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا وإذا لأتيناهم من لدنا أجرا عظيما ولهديناهم صراطا مستقيما}، كان ما يناله الملتزمون بهذا الدين في المدة اليسيرة من حقائق العلوم والأعمال أضعاف ما يناله غيرهم في قرون وأجيال، وكذلك أهل السنة والحديث تجدهم كذلك متمتعين، وهكذا كل من كان أقرب إلى الله تعالى فإنه هو المؤيد المنتصر.

واعلم أن كل من استحمد في الإسلام فبحسب ما معه من حسنات، وهي نوعان إما موافقة أهل السنة والحديث وإما الرد على من خالف السنة والحديث وبيان تناقض حججهم وتهافتها.

فالراد على أهل البدع مجاهد حتى كان يحيى بن يحيى يقول: الذب عن السنة أفضل من الجهاد، لكن المجاهد قد يكون عادلا وقد يكون فيه فجور، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر وبأقوام لا خلاق لهم"، والجهاد عمل مشكور لصاحبه في الظاهر لا محالة، وهو مع النية الحسنة مشكور باطنا وظاهرا، ووجه شكره نصره للسنة والدين، فهكذا المنتصر للإسلام والسنة يشكر على ذلك من هذا الوجه، وهذا لا يعني القول بعصمته واتباعه في كل ما قاله وإن خالف فيه السنة والحديث، فالحاكم هو الحديث وليس ذلك المنتصر له.

قال شيخ الإسلام في المجموع ج:4 ص:14:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير