تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

"فحمد الرجال عند الله ورسوله وعباده المؤمنين بحسب ما وافقوا فيه دين الله وسنة رسوله وشرعه من جميع الأصناف، إذ الحمد إنما يكون على الحسنات، والحسنات هي ما وافق طاعة الله ورسوله من التصديق بخبر الله والطاعة لأمره، وهذا هو السنة، فالخير كله باتفاق الأمة هو فيما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذلك ما يذم من يذم من المنحرفين عن السنة والشريعة وطاعة الله ورسوله إلا بمخالفة ذلك، ومن تكلم فيه من العلماء والأمراء وغيرهم إنما تكلم فيه أهل الإيمان بمخالفته السنة والشريعة، وبهذا ذم السلف والأئمة أهل الكلام والمتكلمين الصفاتية كابن كرام وابن كلاب والأشعري، وما تكلم فيه من تكلم من أعيان الأمة وأئمتها المقبولين فيها من جميع طوائف الفقهاء وأهل الحديث والصوفية إلا بما يقولون إنهم خالفوا فيه السنة والحديث، لخفائه عليهم، أو إعراضهم عنه، أو لاقتضاء أصل قياس مهدوه رد ذلك، كما يقع نحو ذلك في المسائل العلمية، فإن مخالفة المسلم الصحيح الإيمان النص إنما يكون لعدم علمه به أو لاعتقاده صحة ما عارضه لكن هو فيما ظهر من السنة وعظم أمره يقع بتفريط من المخالف وعدوان فيستحق من الذم ما لا يستحقه في النص الخفي وكذلك فيما يوقع الفرقة والاختلاف يعظم فيه أمر المخالفة للسنة".

فكل من نبل في الإسلام وعظم قدره في الأمة وقبل قوله عند عامة الناس فإنما ذلك باتباع الحديث والسنة وفيما قاله مما وافق فيه الكتاب والحكمة، فأئمة الأمة كالشافعي وإسحق وغيرهما إنما نبلوا في الإسلام باتباع أهل الحديث والسنة، وكذلك البخاري ومسلم وأمثالهما إنما نبلوا بذلك، وكذلك مالك والأوزاعي والثوري وأبو حنيفة وأحمد وغيرهم إنما نبلوا بذلك، وكل من تكلم فيه منهم فما هو إلا بسبب المواضع التي لم يتفق له متابعتها من الحديث والسنة، إما لعدم بلاغها إياه، أو لاعتقاده ضعف دلالتها، أو رجحان غيرها عليها أو لغيرها من الأسباب التي قد يكون بها معذورا مغفورا له خطأه مأجورا على اجتهاده، لكن مع ذلك فهو مردود عليه قوله، بل مضروب بعرض الحائط كما هي رغبتهم هم أنفسهم.

وكذلك المسائل الاعتقادية الخبرية، لم ينبل أحد من الطوائف ورءوسهم عند الأمة إلا بما معه من الإثبات والسنة، فالمعتزلة أولا وهم فرسان الكلام إنما يحمدون ويعظمون عند أتباعهم وعند من يغض الطرف عن مساوئهم لأجل محاسنهم عند المسلمين بما وافقوا فيه مذهب أهل الإثبات والسنة والحديث، وردهم على الرافضة بعض ما خرجوا فيه عن السنة والحديث من إمامة الخلفاء وعدالة الصحابة وقبول الأخبار وتحريف الكلم عن مواضعه والغلو في على والقول بالمعصوم ونحو ذلك، وكذلك كانوا يستحمدون بما خالفوا فيه الخوارج من تكفير علي وعثمان وغيرهما وتكفير المسلمين بالذنوب، وكذلك كانوا يستحمدون بما خالفوا فيه المرجئة بإدخال الواجبات في الإيمان، ولهذا قالوا بالمنزلة بين المنزلتين وإن لم يهتدوا إلى السنة المحضة من أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص.

وكذلك الشيعة المتقدمون كانوا يرجحون على المعتزلة بما خالفوهم فيه من إثبات الصفات والقدر والشفاعة ونحو ذلك.

وكذلك متكلمة أهل الإثبات مثل الكلابية والكرامية والأشعرية إنما قبلوا واتبعوا واستحمدوا إلى عموم الأمة بما أثبتوه من أصول الإيمان من إثبات الصانع وصفاته وإثبات النبوة، و بما قاموا به من الجهاد بالرد على الكفار من المشركين وأهل الكتاب وبيان تناقض حججهم وتهافتها، وكذلك استحمدوا بما ردوه على الجهمية والمعتزلة والرافضة والقدرية من أنواع المقالات التي يخالفون فيها أهل السنة والجماعة.

فاتباع السنة والدفاع عنها هو العامل الرئيسي والوحيد لعموم الأمة في تعظيم متبوعيها، فإنه لم يتبع أحد مذهب الأشعري ونحوه إلا لأحد هذين الوصفين أو كلاهما، وكل من أحبه وانتصر له من المسلمين وعلمائهم فإنما يحبه وينتصر له بذلك، كما فعل البيهقي وأبي القاسم القشيري وابن عساكر الدمشقي، فإنهم إنما يحتجون لذلك بما يقوله من أقوال أهل السنة والحديث أو بما رده من أقوال مخالفيهم، ولولا أنه كان من أقرب بني جنسه إلى ذلك لألحقوه بطبقته الذين لم يكونوا كذلك كشيوخه المعتزلة أبي علي الجبائي وولده أبي هاشم، لكن كان للأشعري من موافقة مذهب السنة والحديث في الصفات والقدر والإمامة والفضائل والشفاعة والحوض والصراط

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير