تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

" وهناك في مجمع فؤاد الأول من هم عجيبة الزملاء، هناك رئيسه أحمد لطفي السيد باشا الفيلسوف، وكثيراً ما نوهت به، وأردت إخواني في المجمع العلمي العربي من أول تأسيسه أن يختاروه عضواً مراسلاً فانتخبوه، وما تنازل أن يحييهم بكلمة شكر فيما أذكر، ولم يغلط خمسين سنة أن يقابل جميلي بمثله، كأنه يعتقد أن ما أقوم به نحوه هو واجبي، وأنه من عالم غير هذا العالم، وشتان بين ثقله وخفتي، وفرق بين جنسيتي وجنسيته، هو مصري، وأنا شامي"، ثُمَّ أبان سبب سخطه عليه، فذكر أن لطفي باشا دعاه وزملاءه إلى نادي محمد علي، فلحظ لطفي باشا أن بين الأعضاء الأجانب رجلاً له لقب وزير فدعاه إلى الجلوس في مقام التكرمة وترك كرد علي.

ونقم على المازني وهيكل لمثل هذا السبب، فقال:" إن رصيفيَّ المازني وهيكل ما أضاعا قط كلمة في التعرض لعملي وعمل إخواني في الشام، انتخبهما مجمعنا عضوين مراسلين، فلم يتنزلا أن يكتبا له سطراً، وكيف يرتكبان هذا الإثم والمازني دأب حياته يكتب المقالات للصحف والمجلات، ودأب يستوفي المكافآت عليها، وهيكل أصبح بقلمه وحزبه ممن يدير دفة السياسة المصرية، وأي نفع يأتي من كرد علي وصحبه؟؟ ".

وأغرب من ذلك كله قسوته على الأستاذ محمود شلتوت، أتدري ما السبب؟

إنه سبب يستوجب الاستغراق في الضحك من غير شك، قال ـ حفظه الله ـ: " كان الشيخ محمود شلتوت لي صديقاً قديماً، عرفته في دار آل عبد الرازق الأكارم، ولما اضطهده الشيخ الظواهري في الأزهر كنت من أول الحانقين عليه، ولما نفس خناقه وأعيد إلى منصبه فرحت له فرحاً كثيراً، أتدري ماذا كان مقامي عند عضو جماعة كبار العلماء؟ كان منه أن أهداني كتاباً له وكتب على ظهره:" آية الإخلاص لصاحب العزة فلان "، هذا ما جناه الأستاذ شلتوت، وما استحق من أجله من الأستاذ كرد علي اللوم، والتعنيف والتأنيب، حتى ختم ذلك بقوله:" إن المباينات بين أرباب العمائم وأرباب الطرابيش قديمة لا تحتاج إلى بيان"، وهكذا، و هكذا من أمثال هذه الأحكام العجيبة للأسباب الغريبة.

ألا يدري الأستاذ أن الحكم على الأشخاص إذا كان ميزانه مدحاً لكتاب أو عدم مدح أو الإفراط في الألقاب أو التقصير فيها، أو نحو ذلك من توافه الأمور، كان حكماً سخيفاً لا يقام له وزن، وكان أشبه ما يكون بحكم الأطفال إذ يحبون شخصاً لأنه يضحك في وجوههم، أو يقدم لهم قطعة من الحلوى.

ويكرهون آخر لأنه عبس في وجوههم أو لم يقدم لهم حلوى، أما الرجال العظماء أمثال: الأستاذ قميزان الأحكام عندهم يجب ألا يكون الأحداث الشخصية الصغيرة، وإنما قيمتهم الحقيقية، وصفاتهم الذاتية، لو حكم على جمال الأفغاني ونابليون وبسمارك، بل لو حكم على الأنبياء والمرسلين بميزان الأستاذ هذا لكانت النتيجة غريبة عجيبة، فليس منهم إلا من عبس ولم يقرظ، وانتقد أحياناً في مرارة وعاقب أحياناً في شدة، ومع كل هذا لم تدخل هذه الأعمال كلها في الميزان الصحيح للحكم عليها، لأنها توافه لا يأبه بها إلا التافهون.

ومن أجل هذا النظر التافه لم ينل أحد من إعجاب الأستاذ محمد كرد علي في مصر ما نالته جمعية " البعكوكة " فقد كتب في محاسنتها صفحات ثناء وإعجاب لم ينلها أحد من الكبراء ولا العظماء ولا المؤسسات العلمية و الأدبية.

ثم في الكتب مصداق لقلة الذوق، فهو يصف المشتغلين بالعلم في مصر وغير مصر بأنهم أشغل من ذات النحيين، وأحيل الأستاذ الكبير على أي كتاب في الأمثال، أو على لسان العرب في مادة " نحى " ليعلم مضرب المثل، وليعلم أيضاً أنه لا يصح أن يستعمله في مثل هذا الموضع إلا من تجرد من كل ذوق.

ويشاء أدبه أيضاً بعد أن مدح لجنة التأليف وذكر فضلها عليه في أنها طبعت له ثلاثة كتب، وأعادت طبعها وعاملته معاملة حسنة ـ شاء أدبه بعد كل هذا أن يصفها في ثنايا المدح بأنها " عصابة "، ولكن لا بأس، فالذوق شيء ليس في الكتب.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير