سراج المهتدين في آداب الصالحين
تأليف
الإمام القاضي
أبي بكر محمد بن عبد الله ابن العربي
المعافري الإشبيلي المالكي
المتوفى سنة534هـ.
صححه وخرج أحاديثه وعلق عليه:
أبو أويس
محمد بوخبزة الحسني
تطوان 1412هـ-1992م
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على نبينا سيدنا محمد
وآله وصحبه وسلم تسليما.
بين يدي الكتاب
يطيب لنا أن نقدم للقراء الكرام آثراً طيبا مباركا لإمام كبير, وعالم نحرير, آلا وهو كتاب: {سراج المهتدين في آداب الصالحين} للإمام القاضي أبي بكر محمد بن عبد الله ابن العربي المعافري الشهير, الغني عن التعريف والتشهير, الذي أفردت ترجمته بالتأليف وقد عرفت الكتاب منذ نحو عشرين سنة في نسخة مبتورة الآخر, من كتب الأستاذ الكتبي محمد احنانا بتطوان الذي تفضل فأعارني إياها, ولما قرأت فاتحة الكتاب علمت أنه عارض به كتاب (الشهاب في المواعظ والآداب) للقضاعي المصري, لأنه وجده يذكر الضعيف والواهي من الحديث في كتابه, فدفعه ذلك إلى تأليف كتابه هذا ملتزما أن يصونه عما وقع فيه سلفه, ويقتصر فيه على الصحيح, فنسخت الكتاب لنفسي , وفكرت حينئذ في تحقيقه وتخريج أحاديثه, ولما علمت بوجود نسخة أخرى منه بالخزانة الحسنية بالرباط ذهبت بنسختي وقابلتها بها , وهي تحت رقم 1437 ومن الغريب أنني وجدنها هي الأخرى مبتورة تنقصها فصول الأدعية , وتزيد قليلا على نسختنا. ولما زارني الأخ العزيز الأستاذ المحقق النابغة محمد السليماني الحمودي الجزائري , وعلم بالأمر أخبرني بوجود نسخة ثالثة من الكتاب الزاوية الناصرية بتامكروت, وأنه وقع عليها وهي تامة , ثم أتيحت له فرصة الذهاب إلى الزاوية مرة أخرى فانتسخ لي الفصول الأخيرة من الكتاب , فتم بذلك الكتاب والحمد لله تعالى , ثم لهمة أخينا السليماني وحرصه على العلم وسعيه في إحيائه ونشره.
ولما شرعت في العمل وقفت -حائراً-أمام أمور:
منها: أن القاضي رحمه الله لم يفِ بوعده في صيانة كتابه هذا عن الضعيف فأورد فيه أحاديث كثيرة ضعيفة كما سترى – إن شاء الله- في التخريج.
و منها: وهو ما أتعبني كثيراً في التخريج والكشف عن الحديث – أنه يقتطع من الحديث جملة , مرة من أوله وأخرى من وسطه أو آخره, ولم أعرف حكمة ذلك , فربما كان ما ترك من الحديث أولى بالذكر والاختيار مما ذكر , بينما سلفه القضاعي أورد في " الشهاب" قصار الأحاديث كاملة.
و منها: أنه لم يرتب أحاديث الكتاب لا على الأبواب , ولا على الحروف , ولا على المسانيد ولم يذكر صحابي الحديث ولا من خرجه , وربما يعذر في هذه الأخيرة , لأنه ينتهج نهج سلفه" القضاعي" في الشكل , وقد فكرت طويلا فلم أعرف له سبباً , كما لم أفهم معنى لعقده الفصول والأبواب , مع اختلاف الأغراض والمضامين.
ومهما يكن من أمر فإن الكتاب مجموعة مباركة من الكلم النبوية , والحكم المصطفوية, يجد فيها المسلم الصالح زاداً طيباً في سيره إلى الله تعالى , وورداً نبوياً يقربه حفظه والتفقه فيه إلى الله زلفى, وقد احتسبنا فيه عملنا لله تعالى فقومنا كثيرا مما مسخه النساخ من متون الكتاب بالرجوع إلى مصادره, واقتصرنا في التخريج على العزو للصحيحين البخاري ومسلم أو أحدهما مع ذكر الراوي مكتفين بذلك عن الإشارة إلى درجة الحديث, أما إن كان الحديث في سواهما فإننا نذكر الكتاب والراوي مع الإشارة إلى الباب والكتاب ودرجة الحديث من الصحة أو الحسن أو الضعف, معتمدين في ذلك على كتب التخريج , وخصوصا مؤلفات شيخنا ناصر الدين الألباني حفظه الله , كما اقتصرنا على شرح الكلمات الغريبة في الحديث متوخين أن لا يزيد التخريج والتعليق على سطر مواز لسطر الحديث ورقمه, خشية تضخم الكتاب الداعي إلى زيادة مصاريف الطبع , التي تكفل بها أحد الإخوة المؤمنين, وقد سمعني في الدرس أذكر الصدقة الجارية ووصفها , وأن من أهم صورها طبع كتب العلم النافعة وتوزيعها ووقفها على الطلبة والعلماء في سبيل الله , فبادر – جزاه الله خيراً- وتبرع لهذا العمل المبرور الذي نرجو أن يكون فيه القدوة لأمثاله من الراغبين في الخير , والعاملين لنشر السنة وعلومها النافعة كثر الله أمثاله , وتقبل منا عملنا , ووقفنا للخير آمين.
ولا يفوتني قبل أن أنهي الكلمة للتنبيه على أمرين:
الأول: أنه لا معنى لتشكيك بعض الباحثين المعاصرين في نسبة هذا الكتاب إلى مؤلفه , لأنه لا دليل عليه, ولأن كثيراً من المترجمين ذكروه لمؤلفه القاضي.
الثاني: أن كلمة (في آداب الصاحين) في عنوان الكتاب , حولت فكر أخوين كريمين ممن عني بالقاضي ابن العربي وكتبه وآثاره –في غفلة عن التركيز , فتصورا الكتاب على غير حقيقته , كأنهما لم يقفا عليه ولم يقرأ مقدمته –فوصفاه بأنه -في أخبار الصاحين ومناقبهم – وزاد أحدهما بأنه تضمن نقد لآراء الصوفية في المحبة والعشق الإلاهي , وهذا إنما هو صنيع ابن العربي في كتابه الآخر (سراج المريدين) , والغريب أن هذا الأخ الكريم عاب على الدكتور الطالبي ما وقع هو فيه من الخلط بين مضمون الكتابين , ورغم هذا فلا غنى للباحث عن الرجوع إلى كتابيهما, الأول في الترجمة المستقلة للقاضي , والثاني في الدراسة المفصلة لتحقيقه لقانون التأويل للقضاعي , ونحن في انتظار ما يتحفنا به من أعمال تتعلق بقاضينا الباقعة ,كـ (سراج المريدين) و (الأمد الأقصى) و (واضح السبيل) و (العواصم من القواصم) , كما نترقب بفارغ الصبر طبع
(المسالك في شرح موطأ مالك) مزداداً بتحقيق شقيقته الأخت الدكتورة عائشة حفظها الله, وفق الله العاملين , وأجزل أجر المحسنين , ولا حول ولاقوة إلا بالله , والحمد لله رب العالمين.
محمد بوخبزة
تطوان في 18 محرم الحرام 1412
موافق 30يوليو1991.
¥