ومما يزيد من فرص قبول مادة الموسوعة والتأثر ببعض أفكارها اللغة التي كتبت بها تلك المواد، فهي رغم أنها قد صيغت بلغة يرى العقل الغربي أنها هي لغة العلم والموضوعية بعينها، تبدو كأنها لا تعطي تقريراً نهائياً ورأياً حاسماً بل قلما يجد القارئ فرصة كافية لكي ينفك من تأثيرها القوي وآرائها شبه النهائية، كما أنه ربما يعجز معها عن تكوين رأيه الخاص عن الموضوع المطروح، وبالرغم من هذا فمحصلة ما يكتب عن الموضوع وآرائه هي التي قد يخرج بها القارئ الذي يرى أنها هي بعينها رأي أهل العلم الذين يستحقون ثقته بهم.
ومن ملامح هذه اللغة ما يظهر جلياً طريقتهم في النقاش والجدال التي تهدف إلى إقناع القارئ بوجهة نظر الكاتب، وهذه الطريقة تختلف بين الثقافات، ولاسيما الثقافتين العربية والإنجليزية الغربية. وهناك أسلوبان أساسيان لطريقة النقاش () وهي: (1) الجدال المستمر ( through-argumentation) والجدال المناقِض ( counter-argumentation)، ووفقاً للأسلوب الأول يطرح المجادل رأياً ويستمر في دعمه حتى النهاية.
ويرى كثير من منظري الاتصال بين الثقافات أن أسلوب الجدل المستمر هو الأسلوب السائد في الكتابات العربية، ولكن هذه النظرة بدأت تتغير نتيجة لتأثير حركة الترجمة الواسعة التي تشهدها الثقافة العربية.
أما الجدال المناقض فيعمد بداية إلى ذكر الرأي المخالف ربما بشيء من التقدير ثم دحض هذا الرأي بهدوء وتقديم الدلائل المنطقية على موقف المجادل، وعادة ما يقدم المجادل بهذا الأسلوب تنازلاً مراوغاً ( false concession) أو اعترافاً بوجاهة الرأي الآخر؛ لكي يوحي للقارئ بأنه فهم الرأي الآخر، ولكن بعد تفكير عميق وبحث واستقراء للواقع وصل إلى نتيجة مخالفة، وهذا الأسلوب هو المتبع غالباً في الأوساط العلمية الغربية، والموسوعة البريطانية لا تشذ عن طوق هذه اللغة العلمية، فتحت العنوان الفرعي "الشخصية والإنجازات" الذي كتب عن نبي الرحمة نبينا محمد ? تبدأ الموسوعة بالآتي:
"ورغم الإجحاف في حقه كثيراً من قبل علماء أوربا القرون الوسطى
- الذين لا تزال آراؤهم تحتفظ ببعض التأثير - أصبحت النظرة لمحمد أكثر موضوعية في القرن التاسع عشر فبعض الأدلة ضده، مثل تواطئه في بعض الاغتيالات وإقراره اغتيال بعض رجال قبيلة يهودية، أمور تاريخية لا يمكن تكذيبها".
فالموسوعة بعد أن تورد تنازلاً مراوغاً يرهف إليه سمع القارئ تذكر من الإجحاف ما قالت إنه شيء لا يحتفظ إلا بقليل من التأثير في الوقت الراهن.
ومن مظاهر هذه اللغة العلمية أيضاً اعتماد لغة التحاشي hedging))، وهي لغة يحاول بها الكاتب تحاشي التصريح بالحقائق, وإعطاء انطباعٍ بعدم الوضوح والتأكد، وتوظف هذه اللغة بالاعتماد على وسائل عدة منها صيغة المبني للمجهول مثل: يُقال، ويُعتقد، والقارئ لا يعرف من الذي يقول أو يعتقد أهو الكاتب نفسه أم أحد العلماء المتخصصين؟ وعبارات مثل: يبدو وربما، وصفات وتقديرات مثل: قليل، إلى حد بعيد، بشكل ما، وخلافها. ورغم أن هذه اللغة هي اللغة السائدة في المراكز الأكاديمية الغربية إذ تعد حجر زاوية في أي أطروحة دراسات عليا يراد أن يكتب لها تجاوز المناقشة بنجاح، إلا أن مجرد ذكر القول المُضعَّف يُرجِّحه على غيره دون التزام بما فيه من فكر، ومن مزايا لغة التحاشي أيضاً جعلها الكاتب يبدو أقل تسرعاً وأكثر روية في قراءة معطيات الواقع، وكذلك إعطاؤها انطباعاً بالتشكيك في الموضوع المطروح، وكل هذا يعتمد على الحالة الخاصة معرض الحديث وهذا ما سنناقشه في الموضوع التالي.
وبالإضافة إلى هذا تتميز لغة الموسوعة البريطانية بالسهولة والسلاسة في صياغة الفكرة في عبارات يسهل تحليلها في ذهن القارئ وفهمها، بغض النظر عن مستواه الثقافي، فهي تستخدم الكلمات المتداولة وتتحاشى الألفاظ الغريبة والمتخصصة، وتتميز جمل مواد الموسوعة بالقصر إذ تشكل في جملتها وحدات معنوية (( semantic chunks مما يجعل القارئ ينخرط في القراءة ويتتبع الأفكار المطروحة دون تشويش.
ـ[محمد البيلى]ــــــــ[27 - 05 - 08, 05:28 م]ـ
فأين الروابط يا أبا دجانة؟
ـ[تامر الجبالي]ــــــــ[27 - 05 - 08, 08:05 م]ـ
معذرة
إليكم الصفحة التي حملت منها
http://www.rapidlinks.co.uk/showthread.php?t=1657
.......
.....
جزاك الله خيرا، ولكن الروابط تالفة
ـ[محمد البيلى]ــــــــ[28 - 05 - 08, 09:54 ص]ـ
لا يا إخوان، ليست بتالفة.
الروابط على الصفحة المشار إليها تعمل بشكل جيد.