تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهذا هو المانع له -صلى الله عليه وسلم- من قتل مَنْ جسَّ عليه وعلى المسلمين وارتكب مثل ذلك الذنب العظيم، فأخبر -صلى الله عليه وسلم- أنه شهد بدراً، فدلَّ على أن مقتضى عقوبته قائمٌ لكن مَنعَ مِن ترتُّب أثره عليه ما له من المشهد العظيم، فوقعت تلك السقطة العظيمة مغتفرة في جنب ما له من الحسنات". (17)

وحول نفس المعنى له أيضاً كلماتٌ تُكتب بماء الذهب أوردها في كتابه إعلام الموقعين، حيث قال:

" ....... ومن له علمٌ بالشرع والواقع يعلم قطعاً أنّ الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدمٌ صالح وآثارٌ حسنة، وهو من الإسلام وأهله بمكان قد تكون منه الهفوة والزلّة هو فيها معذورٌ بل مأجورٌ لاجتهاده، فلا يجوز أن يُتّبع فيها، ولا يجوز أن تُهدر مكانته وإمامته في قلوب المسلمين". (18)

ولقد سبقه سعيد بن المسيب -رحمه الله- في بيان ذلك المنحى السلفي في احترام أولي الفضل والسابقة حين قال:

"ليس من شريفٍ ولا عالم ولا ذي فضلٍ إلا وفيه عيبٌ ولكن من الناس من لا ينبغي أن تُذكرَ عيوبُه، فمن كان فضله أكثر من نقصه: وُهِبَ نقصُه لفضله". (19)

وكأني بمحمد بن سيرين يأخذك في زاوية من المسجد يناجيك ويرشدك، فيقول لك واعظاً: "ظلمٌ لأخيك أن تذكرَ منه أسوأ ما تعلم منه وتكتُم خيرَه" (20) ثم يتلو عليك ((ولا تَبْخَسوا النَّاسَ أشْيَاءَهم)).

ولعلَّ الشيخ المجدد محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- قد عانى من مثل هؤلاء أعداء النجاحات ومتتبعي الزلات، فقال لهم بصريح العبارة: " ...... فإذا تحققتم الخطأ بينتموه، ولم تهدروا جميع المحاسن لأجل مسألة أو مائة أو مائتين أخطأت فيهن، فإني لا أدّعي العصمة". (21)

وكم يكدّر صفوك الرائق وقاحةُ قولٍ في تبيين الحق وإنكار المنكر وردِّ الخطأ. ولا أدري أين أصحاب تلك الإسفافات من "قول الإمام الشافعي لصاحبه المزني حين سمعه يقول: فلانٌ كذّاب، فقال له: يا إبراهيم اكسُ ألفاظَك، أحْسِنها، لا تقل: كذّاب ولكن قل: حديثه ليس بشيء." (22)

وليت الشافعي يأتي ليؤدب أولئك المتبجحين الذين امتهنوا عيبَ الأعلامِ وانتقاصَ إخوانهم الدعاة صَنْعةً يتفاخرون بها في مجالس النجوى والوقيعة.

لا تُعِنْ على سَفكِ دمِ الدَّعوة ..

كم من مقالةِ حقٍ أُريد بها باطلٌ صدّتْ العشرات بل المئات عن سماع الحقِّ من فلان؟!

وكم من مقالة سوء نفّرَت الناسَ من كتب أعلامٍ - تَشْرُفُ بهم الكلمةُ - فحُرِموا خيراً كثيراً؟!

وكم مرة أُغْلِقَ بابٌ للخير بسبب همزٍ ولمزٍ وأمورٍ بُيِّتتْ بليل؟!

وكم من مشروعٍ دعويٍ ضخم أجهضته كلمةُ انتقاصٍ طائشةٌ أطلقها مراهقٌ في حق القائمين عليه؟!

وكم من يدٍ بالسوء امتدت فوَأدَت منشطاً إسلامياً في مهده؟!

وكم فُرضتْ قيودٌ وعراقيلٌ بجرّة قلمٍ ما كانت لله؟!

واستمع إلى التابعي المخضرم الثقة أبي معبد الجهني -رحمه الله- لتعيَ ما أقول ..

"ففي حلقةٍ دراسية انعقدت في المدينة لتدريب وتفقيه الجيل الجديد من رجال دولة الإسلام المكلّف باستدراك ما صنعته الفتنة حاضرَ عبدالله بن عكيم، وطفق يلخّص لهم تجارب المخلصين، فقال:

(لا أُعينُ على دم خليفة أبداً بعد عثمان).

وكانت كلمة مثيرة منه حقاً .. وتأخذُ الجميعَ إطراقةٌ، فما ثَمَّ إلا عيونٌ تتبادل النظر مستغربةً ما يقوله الرجلُ الصالح. ما لهذا الشيخ البريء المؤمن الذي لم يرفع في وجه عثمان سيفاً أبداً يتّهم نفسه ويلومها على ما لم تفعل؟

وينبري جريءٌ لسؤاله:

(يا أبا معبد: أوَأعنتَ على دمه)؟

فيقول: (إني أرى ذكرَ مساوىء الرجل عوناً على دمه).

فهو يتهم نفسه بجزء من دم عثمان لأنه رأى بأم عينه كيف أن ما ظنَّه وقام في نفسه من أنه الحق قد أدّى إلى استغلال الرُّعاع له حين تكلم به، وكيف طوّروه حتى قتلوا عثمان رضي الله عنه". (23)

أظنك وعيتَ الوصية .. فلا تُعِنْ على سفك دم الدعوة ..

لا تُعِنْ على سفك دم الدعوة بكلامِ سوءٍ وقدحٍ في إخوانك هم منه بَراء ..

لا تُعِنْ على سفك دم الدعوة بتتبع زلات الدعاة لفضحهم وهتك أستارهم لمجرد الإختلاف معهم ..

لا تُعِنْ على سفك دم الدعوة بغيبةٍ أو بُهتانٍ لرموزها وأشياخها ..

لا تُعِنْ على سفك دم الدعوة بإعطاء المتربصين فرصةَ انقضاضٍ لفُرقةٍ في الصَّف ..

لا تُعِنْ على سفك دم الدعوة بوشاية عن أخيك عند ظالمٍ جائر أو مخاصمٍ فاجر ..

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير