كان بعض أهل العلم لا يعيير كتابًا إلا بِرَهْنٍ على الكتاب المعار قال السّكن: «طلبت من إبراهيم بن ميمون الصائغ كتابًا، فقال: هات رهنًا، فدفعت إليه مصحفًا رهنًا». [أدب الإملاء والاستملاء،صـ178]
وأنشد علي بن أبي بكر الطّرازي:
يا مستعير كتابي * * * لا تكثرنَّ عتابي
إلاّ برهنٍ وثيق * * * من فضةٍ أو ثيابِ
وأنشد أبو حفص عمر بن عثمان الجنزي:
إذا ما أعرتَ كتابًا فخذْ * * * على ذاك رهنًا وخلّ الحياء
فإنّك لم تَتهِم مستعيرًا * * * ولكنْ لتَذكُرَ منه الأداء
وبعد هذا أنقل كلامًا عن الاستعارة ذكره شيخي الكريم (عبد الله بن جار الله) - أسكنه الله فردوسه الأعلى -:
ذكر رحمه الله تعالى في كتابه «الثمار اليانعة» مقالاً جاء فيه:
(قرأت في إحدى المجلات عن أشخاص كوّنوا لهم مكتبات من كتب الناس! فكانوا يستعيرونها ثم لا يرجعونها،وانتشرت سرقة الكتب هذه تحت ستار الاستعارة، حتى اشتهر بها أناس من المعروفين بالمكانة الاجتماعية،وإن كان هذا طريقًا غير شرعي ولصوصية،فقد ذمّه السَّلف ووضعوا آدابًا لاستعارة الكتب،من خالفها يمتنعون من إعارته مرة أخرى.
فمن آداب الاستعارة:
توقير الكتاب والاهتمام بنظافته، وحدث هذا مع أبي حامد أحمد بن طاهر الإسفرايئني الفقيه، حين استعار منه رجل كتابًا، فرآه يومًا وقد أخذ عليه عنبًا، ثم إنّ الرّجل سأله بعد ذلك أن يعيره كتابًا، فقال: تأتيني إلى المنزل، فأتاه فأخرج الكتاب إليه في طبق وناوله إياه! فاستنكر الرّجل ذلك، وقال: ما هذا؟ فقال أبو حامد: هذا الكتاب الذي طلبتَه، وهذا طبق تضع عليه ما تأكله!
فعلم بذلك ما كان من ذنبه.
ومن آداب الاستعارة:
ألاّ يُرجِع الكتاب متغيِّرًا متكسّرًا مهملاً، فإن فعلت ذلك عوقبت بمنعك من الاستعارة، كما فعل بعض أهل العلم حين استعار منه رجل كتابًا، فردّه إليه بعد حين متكسرًا متغيرًا، عليه آثار البزور [جمع: بِرْز، وهو: حبٌّ يلقي في الأرض للإنبات. المعجم الوسيط 1/ 54] وغيره، فسأله أن يعيره غيره، فقال له: ما أحسنت ضيافة الأول فنضيفك الثاني؟
أما فقد الكتاب المستعار، فهذه كبيرة من كبائر الاستعارة، لا يحق لمن فعلها أن يُعار بعد ذلك، حتى إن أحدهم بيّن ندمه على تضييع كتاب قد استعاره، فقال: إنّه أعاره رجل من وجوه بني هاشم بالبصرة دفترًا، فضاع، فتفجّع لذلك، فاعتذرت إليه وقلت:
يا مالكًا ما تازال راحته * * * تعطي المعالي وتبسط النِّعما
هبْ لمقرٍّ بالذنب معترفٍ * * * بواسع العفو منك ما اجترما
أعرتَهُ دفترًا تضنّ به * * * فخانه (1) الدهر فيك فاصطلما
إعظامك العلم إذ فجعتَ به * * * يزيد عندي خطيئتي عِظَما
وجعل الشاعر الآخر رد الكتاب المستعار شرطًا في الإعارة فقال:
أيها المستعير مني كتابًا * * * إن رددتَ الكتاب كان صوبًا
أنت والله إن رددتَ كتابًا * * * كنتَ أُعطِيتَه أخذتَ كتابًا (2)
أمّا الامتناع التام عن الإعارة فغير محمود، قال أبو عبد الله محمّد بن عثمان العكبري: أنشدني شيخي ابن الباقلاني المقرئ الواسطي:
كتبي لأهل العلم مبذولة * * * أيديهم مثل يدي فيها
متى أرادوها بلا مِنّة * * * عاريةً فليستعيروها
حاشاي أَنْ أكتمها عنهموا * * * بخلاً كما غيريَ يُخفيها
أعارنا أشياخُنا كُتْبَهُم * * * وسنةُ الأشياخ نحييها
وقد روى هذه الأبيات ابن السمعاني عن ابن الباقلاني وقال: أنشدني خميس الجوزي لنفسه [الذيل على طبقات الحنابلة 1/ 436.]
((معالم في طريق طلب العلم)) لفضيلة الشّيخ عبد العزيز بن محمَّد السّدحان ـ حفظهُ اللهُ تعالى ـ (صـ185)
نقلته من الأخ سلمان أبوزيد وفقه الله (هنا ( http://majles.alukah.net/showpost.php?p=19478&postcount=11)) مطابقة مع الكتاب بين يدي.
ـ[جهاد حِلِّسْ]ــــــــ[17 - 07 - 10, 11:51 م]ـ
بوركت أبا محمد وجزاك ربي خيراً
ـ[جهاد حِلِّسْ]ــــــــ[26 - 08 - 10, 09:24 م]ـ
ألا أيُّها المستعيرُ الكتابَ .... ألا ارجعْ بغيرِ الذي تطلبُ
فلمسُ السماءِ وأخذ النجوم .... بكفِكَ من أخذه أقربُ
فدُمْ ما بقيتَ على اليأسِ منهُ .... فليسَ يُعارُ ولا يوهبُ
ومن كان يغضبُ إنْ لم يُعَرْ .... فقُلْ من قريبٌ له يغضَبُ
إذا أنا كُتبي أعرتُ الصديقَ .... ثلاثةُ أرباعها يذهبُ
¥