تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[اللهم اشفني من النوم باليسير]

ـ[أبو زارع المدني]ــــــــ[13 - 02 - 10, 11:45 م]ـ

[اللهم اشفني من النوم باليسير]

حسام الحفناوي

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، صلى الله عليه وسلم.

وبعد:

فقد اسْتفاضَتْ تصانيف العلماء الموضوعة في تراجم الصحابة، والتابعين، وأتباعهم السَّائرين على دَرْبهم، السَّالكين مِنْوالهم في ذِكْر أخبارهم المُتكاثِرة، الدَّالَّة على عَظيم اعتنائهم بالوقت، وكبير إدراكهم لقِيْمته، وشديد حِرْصهم على اقْتِناص دِقِّه وجُلِّه، فلو أراد مُريدٌ حَصْرَ أخبارهم في ذلك، لَمَا نال مُنْيَتَه، ولو ابْتَغى مُبْتَغٍ جَمْع ما يُمْكِن جَمْعُه من تلك الأخبار، لأخرج لنا من الأَسْفار أكبرها حَجْمًا، ومن المجلدات أكثرها عددًا.

لقد بلغ من حرصهم على الوقت أنهم كانوا يبتهلون إلى الله تعالى أن يَشْفِيَهم من النوم باليسير، وأن يُسْهِر ليلَهم في طاعته؛ فلا يَرْجُون من النوم إلا ما يُسْكِت كَلْبَ النُّعاس، ولا يَبْغون من مَسِّ جُنُوبهم للمَضاجِع إلا ما يُصْمِت شِكاية أَبْدانهم طولَ القيام.

قال إبراهيم النَّخْعِي رحمه الله تعالى: كان مِعْضَد [1] ( http://www.alukah.net/articles/1/10178.aspx#_ftn1) يقول في صلاته: "اللهم اشفني من النوم بقليل".

فما رؤي ناعسًا في صلاته بعد، قال منصور ـ رواي الخبر عن إبراهيم النخعي: قلت لإبراهيم: في المكتوبة؟ قال: أما في المكتوبة، فلا. [2] ( http://www.alukah.net/articles/1/10178.aspx#_ftn2)

أي أن ذلك النعاس إنما كان يَعْتَرِيه في صلاة النافلة، لا في الفريضة؛ لطول قيامه بالليل بين يدي الله تعالى، ومُجافاته لفِراشه.

وقال هَمَّام بن الحارث: انتهيت الى مِعْضَد وهو ساجد، فأتيته وهو يقول: "اللهم اشفني من النوم باليسير" ثم مضى في صلاته. [3] ( http://www.alukah.net/articles/1/10178.aspx#_ftn3)

وفي رواية لهَمَّام قال: نام مِعْضَد العِجْلِي في سجوده، ثم قام، فمشى ساعة، وقال: "اللهم اشفني من النوم بيسير". [4] ( http://www.alukah.net/articles/1/10178.aspx#_ftn4)

وقد كان هذا من دعاء هَمَّام بن الحارث [5] ( http://www.alukah.net/articles/1/10178.aspx#_ftn5) ـ راوي خَبَر مِعْضَد ـ أيضًا؛ فعن إبراهيم، أن هَمَّامًا كان يقول في سجوده: "اشْفِني من النوم باليسير، واجعل سَهَرِي في طاعتك" فكان لا ينام إلا هُنَيْهَة، وهو جالس. [6] ( http://www.alukah.net/articles/1/10178.aspx#_ftn6)

ومَنْ كان هذا حاله مع النوم الذي لا بُدَّ للآدَمِي منه، فأيُّ اعتناء بالوقت يُنْتَظَر من قِبَله؟ وأي تَشَبُّث بتَوْظِيف جُزْئياته في طاعة الله تعالى يُتَوَقَّع من مثله؟ أفيُظَنُّ به وبأشباهه تَفْريطٌ في قليل منه أو كثير؟ أفيُتَوَهَّم من قِبَله ونُظَرائِه هَدْرٌ للُحَيْظات عُمْره ومُفْرَدات زَمَنِه؟

إن الهِمَّة العالية تَسْمو بصاحبها عن الاكتفاء باغْتِنام الأوقات إلى مُسابقتها، فلا تَرْضى نَفْسُه بمَنْزِلَة من المَنازِل؛ لدوام تَطَلُّعها إلى ما هو أعلى من سابِقَتها، فيَشْقى البَدَنُ سَعْيًا لإرضاء آمال النَّفْس

وإذا كانَتِ النّفُوسُ كِبارًا تَعِبَتْ في مُرادِها الأجْسامُ [7] ( http://www.alukah.net/articles/1/10178.aspx#_ftn7)

ولا تَقْتَصِر مُسابقة الأوقات على أهل الدِّين فحسب، بل يوجد من أهل الدنيا من لا يشعر بالراحة إلا في التَّعَب، ولا يَهْنَأ له بالٌ إلا في النَّصَب

بصُرْتَ بالرَّاحةِ الكُبرى فلمْ تَرَها تُنالُ إلاَّ على جسرٍ منَ التَّعبِ [8] ( http://www.alukah.net/articles/1/10178.aspx#_ftn8)

قال المُوَفَّق عبد اللطيف البغدادي رحمه الله تعالى [9] ( http://www.alukah.net/articles/1/10178.aspx#_ftn9) عن السلطان علاء الدين خوارزم شاه [10] ( http://www.alukah.net/articles/1/10178.aspx#_ftn10): كان شجاعًا، شَهْمًا، مِغوارًا، مِقْدامًا، سَعد الوجهة، غَزَّاء، لا يَنْشَف له لِبَد، ويقطع المسافات الشاسعة في زمان لا يتوهم العدو أنه يقطعها في أضعافه، وكان هَجَّامًا، فاتِكًا، غَدَّارًا، فأول ما فَتَك بأخيه، فأُحْضِر رأسُه إليه وهو على الطعام، فلم يَكْتَرِث، وكان قليل النوم، كثير اليقظة، طويل النَّصَب، قصير الراحة، يخدم في الغارات أصحابه، ويَهْجَعون وهو يحرسهم، وثيابه

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير