تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وعُدَّة فَرَسِه لا تبلغ دينارًا، لذَّتُه في نَصَبه، وراحَتُه في تَعَبِه، كثير الغنائم والأنفال، سريع التفريق لها والإنفاق، وكان له معرفة ومشاركة للعلماء، وصَحِب الفَخْر الرَّازِي قبل المُلك، فلما تَمَلَّك رعى له ذلك، فوسَّع عليه الدنيا، وبَسَط يده.

ثم تحدث المُوَفَّق عن قَصْد خوارزم شاه لديار الشام، وما رَكِب الملكَ الظاهرَ غازي من غَمٍّ حينما نَمَا إليه ذلك القَصْد، وأنه استدعى تاجرًا خبيرًا بغداديًا، وحادثه، فزعم ـ أي التاجر ـ أنه حاضره ـ أي السلطان علاء الدين ـ وبايَعَه، وذكر من أحواله: أنه يبقى أربعة أيام أو نحوها على ظهر فَرَسه ولا ينزل، وإنما ينتقل من فَرَس إلى فَرَس، ويَتَضَمّر، ويَطْوي البلاد. وأنه ربما أتى البلد الذي يقصده في نفرٍ يسير، فيَهْجِمه، ثم يُصَبِّحه من عَسْكَره عشرة آلاف، ويُمَسِّيه عشرون ألفًا، وفي كثير من الأوقات يأتي المَدَد وقد قضى الحاجة بنفسه، وفي كثير من الأوقات يبعث البُعوث، ويأتي أخيرًا وقد قُضيت الحاجة أولًا، وربما هَجَم البلد في نَفَرٍ دون المائة، فيقضي حاجته، وربما قتل مَلِك ذلك البلد، أو أَسَرَه، ثم تتدفق جُمُوعه.

وقال: إن سَرْجه ولِجامه لا تَبْلُغ قِيْمَتُها دانِقًا [11] ( http://www.alukah.net/articles/1/10178.aspx#_ftn11)، ولا تبلغ قِيْمة ثيابه دانِقَيْن، وحَكَى أنه في بعض غاراته نزل بأصحابه آخر الليل، وكانوا نحو سبعين فارسًا، فأمرهم بالهَجْعَة، وأخذ خَيْلَهم يُسَيِّرُها بعدما اسْتَقى من بئر، وسَقَى الجميع، فلما علم أنهم قد أخذوا من النوم بنصيب أيقظ بعضهم، وأمرهم بالحراسة، ثم هَجَع يسيرًا، ونَهَض كالعَفاريت، وهَجَموا على المدينة، وقتل مَلِكها، انتهى كلام المُوَفَّق.

وقال ابن الأثير رحمه الله تعالى [12] ( http://www.alukah.net/articles/1/10178.aspx#_ftn12): كان صبورًا على التَّعَب، وإدْمان السَّيْر، غير مُتَنَعِّمٍ، ولا مُتَلَذِّذ، إنما نَهْمَتُه في المُلْك وتدبيره، وحِفظه، وحِفْظ رَعِيَّته، انتهى كلامه.

هذا مثال من ألوف الأمثلة القديمة والمعاصرة لمن عَلَتْ هِمَّتُه في أمر الدنيا، كما هو الشَّأن في النَّماذِج المماثلة لما تقدم ذِكْرُه من عُلو الهِمَّة في طاعة الله تعالى في قَديم الزَّمان وحَدِيثه.

بل إن الكَبِد ليتَفَتَّتُ حَسْرَةً وأَلَمًا على ما يقرأه المَرْءُ من أخبار كُفَّار سَمَوا بهِمَمهم فوق الدَّنايا في خَوالي الأيام، وما يشاهده من أحوال مُشْرِكين تَرَفَّعوا بغاياتهم عن السَّفاسِف في حاضِر الأَزْمان، فلو أن عَضَّ الأنامل غَيْظًا يَشْفِي الصَّدْر مما به، لهان العَضُّ؛ إذ كيف يَطيب للمسلمين رُكون إلى الدَّعَة وقد زَهِد فيها ـ سَعْيًا إلى المَعالي ـ أعداؤهم؟ وكيف يَلَذُّ لهم إخْلادٌ إلى الرَّاحة وقد هَجَرَها ـ طَلَبًا للعُلُو في الأرض ـ المُتَرَبِّصون بهم الدَّوائر؟ وكيف يُوغِلُون في التَّحْسِينيَّات وقد طَلَّقها ثلاثًا ـ حَمْلًا للمَهامِّ الجِسام ـ مَنْ لا يَرْجُون جَنَّة ولا يخافون نارًا؟

قال تعالى: {وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً} [النساء:104].

وَدِدْتُ إطالة النَّفَس في سَرْد نماذج من بَذْل الكُفَّار لأديانهم الباطلة، وصَبْرِهم على الشَّدائِد والمِحَن؛ إعْلاءً لشأن أقوامهم المَناكِيد [13] ( http://www.alukah.net/articles/1/10178.aspx#_ftn13)؛ رَجاء إيْقادِ الغَيْرة في صُدور قُرَّاء المَقال الكِرام، وإشْعال جَذْوَة النَّخْوة في نُفُوس مَنْ نُقِلَ إليهم فَحْواه، أو تُلِي عليهم بعضُ مُحْتواه، أو بَلَغَهم ـ ولو من العُنْوان ـ مَرْماه ومَغْزاه؛ إذ نحن أولى ـ لما نَرْجوه من الله تعالى ـ بعُلُو الهِمَّة منهم، وهم أولى ـ لما يَرْجون من لُعاعَة [14] ( http://www.alukah.net/articles/1/10178.aspx#_ftn14) الدنيا ـ بسُفُولها منا، فكيف تَبَدَّلَتْ الأحوالُ إلى الضِّد؟ وانْقَلَبَتْ الأمور إلى النَّقيض؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير