فحال بينهم وبين خيلهم. ثم توافت فرسان بني عبس، فقال حمل: ناشدتك الله والرحم يا قيس. فقال: لبيكم لبيكم. فعرف حذيفة أنه لن يدعهم، فأنتهر حملا وقال: إياك والمأثور من الكلام. فذهبت مثلا. وقال لقيس: لئن قتلتني لا تصلح غطفان أبعدها. فقال قيس: أبعدها الله ولا أصلحها. وجاءه قرواش بمعبلة، فقصم صلبه. وأبتدره الحارث بن زهير وعمرو بن الأصلع، فضرباه بسيفيهما حتى ذففا عليه. وقتل الربيع بن زياد حمل بن بدر. فقال قيس ابن زهير يرثيه:
تعلم أن خير الناس ميت ... على جفر الهباءة ما يريم
ولولا ظلمه مازلت أبكي ... عليه الدهر ما طلع النجوم
ولكن الفتى حمل بن بدر ... بغى والبغي مرتعه وخيم
أضن الحلم دل علي قومي ... وقد يستضعف الرجل الحليم
ومارست الرجال ومارسوني ... فمعوج علي ومستقيم
ومثلوا بحذيفة بن بدر كما مثل هو بالغلمة، فقطعوا مذاكيره وجعلوها في فيه، وجعلوا لسانه في استه. وفيه يقول قائلهم:
فإن قتيلا بالهباءة في استه ... صحيفته إن عاد للظلم ظالم
متى تقرأوها تهدكم عن ضلالكم ... وتعرف إذ ما فض عنها الخواتم
وقال في ذلك عقيل بن علفة المري:
ويوقد عوف للعشيرة ناره ... فهلا على جفر الهباءة أوقدا
فإن على جفر الهباءة هامة ... تنادي بني بدر وعارا مخلدا
وإن أبا ورد حذيفة مثفر ... بأير على جفر الهباءة أسودا
وقال الربيع بن قعنب:
خلق المخازي غير أن بذي حسا ... لبني فزارة خزية لا تخلق
تبيان ذلك أن في است أبيهم ... شنعاء من صحف المخازي تبرق
وقال عمرو بن الأسلع:
إن السماء وإن الأرض شاهدة ... والله يشهد والإنسان والبلد
أني جزيت بني بدر بسعيهم ... على الهباءة قتلا ماله قود
لما التقينا على أرجاء جمتها ... والمشرفية في أيماننا تقد
علوته بحسام ثم قلت له ... خذها إليك فأنت السيد الصمد
فلما أصيب أهل الهباءة واستعظمت غطفان قتل حذيفة تجمعوا، وعرفت بنو عبس أن ليس لهم مقام بأرض غطفان، فخرجوا إلى اليمامة فنزلوا بأخوالهم بني حنيفة، ثم رحلوا عنهم فنزلوا ببني سعد بن زيد مناة.
يوم الفروق
ثم إن بني سعد غدروا لجوارهم، فأتوا معاوية بن الجون فاستجاشوه عليهم وأرادوا أكلهم. فبلغ ذلك بني عبس، ففروا ليلا وقدموا ظعنهم، ووقف فرسانهم بموضع يقال له الفروق. وأغارت بنو سعد ومن معهم من جنود الملك على محلتهم، فلم يجدوا إلا مواقد النيران، فاتبعوهم حتى أتوا الفروق، فإذا بالخيل والفرسان، وقد توارت الظعن، فانصرفوا عنهم. ومضى بنو عبس فنزلوا ببني ضبة فأقاموا فيهم وكان بنو جذيمة من بني عبس يسمون بني رواحة، وبنو بدر من فزارة يسمون بني سودة. ثم رجعوا إلى قومهم فصالحوهم، وكان أول من سعى في الحمالة حرملة بن الأشعر بن صرمة بن مرة، فمات، فسعى فيها هاشم ابن حرملة ابنه، وله يقول الشاعر:
أحيا أباه هاشم بن حرمله ... يوم الهباتين ويوم اليعمله
ترى الملوك حوله مرعبله ... يقتل ذا الذنب ومن لا ذنب له
يوم قطن
فلما توافوا للصلح وقفت بنو عبس بقطن، وأقبل حصين بن ضمضم، فلقي تيحان. أحد بني مخزوم بن مالك. فقتله بأبيه ضمضم، وكان عنترة بن شداد قتله بذي المريقب. فأشارت بنو عبس وحلفاؤهم بنو عبد الله بن غطفان وقالوا: لا نصالحكم ما بل البحر صوفة، وقد غدرتم بنا غير مرة، وتناهض القوم عبس وذبيان، فالتقوا بقطن، فقتل يومئذ عمرو بن الأسلع عيينة، ثم سفرت السفراء بينهم، وأتى خارجة بن سنان أبا تيحان بابنه فدفعه إليه، فقال: في هذا وفاء من ابنك. فأخذه فكان عنده أياما. ثم حمل خارجة لأبي تيحان مائة بعير قادها إليه واصطلحوا وتعاقدوا.
يوم غدير قلهى
قال أبو عبيدة: فاصطلح الحيان إلا بني ثعلبة بن سعد بن ذبيان، فإنهم أبوا ذلك، وقالوا: لا نرضى حتى يودوا قتلانا أو يهدر دم من قتلها. فخرجوا من قطن حتى وردوا غدير قلهى فسبقهم بنو عبس إلى الماء فمنعوهم حتى كادوا يموتون عطشا ودوابهم، فاصلح بينهم عوف ومعقل، ابنا سبيع، من بني ثعلبة، وإياهما يعني زهير بقوله:
تداركتما عبسا وذبيان بعدما ... تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم
فوردوا حربا واخرجوا عنه سلما.
تم حرب داحس والغبراء.
ـ[فتى الحوراء]ــــــــ[12 - 07 - 2010, 11:17 م]ـ
درر ولآلئ ثمينة وجدتها هاهنا
ومن اراد الدرر واللآلئ فعيه بالغوص في الاعماق
شكرا لك اخي عز الدين
موضوع قيم وجدير بأن يقرأ
ـ[أنوار]ــــــــ[13 - 07 - 2010, 12:06 ص]ـ
زاوية ماتعة بحق أستاذ عزّ الدين
شكرا لهذا الزخم الأدبي
ومتابعون لجديدكم