فإني غير خاذلكم ولكن ... سأسعى الآن إذ بلغت مداها
ثم نهضت بنو عبس وحلفاؤهم بنو عبد الله بن غطفان إلى بني فزارة وذبيان، ورئيسهم الربيع بن زياد، ورئيس بني فزارة حذيفة بن بدر.
يوم المريقب
لبني عبس على فزارة
فالتقوا بذي المريقب: من أرض الشربة؟ فاقتتلوا، فكانت الشوكة في بني فزارة، قتل منهم عوف بن زيد بن عمرو بن أبي الحصين، أحد بني عدي بن فزارة، وضمضم أبو الحصين المري، قتله عنترة الفوارس، ونفر كثير ممن لا يعرف أسماؤهم. فبلغ عنترة أن حصينا وهرما، ابني ضمضم، يشتمانه ويواعدانه فقال في قصيدته التي أولها:
يا دار علبة بالجواء تكلمي ... وعمي صباحا دار عبلة واسلمي
ولقد خشيت بأن أموت ولم تدر ... للحرب دائرة على ابنى ضمضم
الشاتمي عرضى ولم أشتمهما ... والناذرين إذا لم ألقهما دمي
إن يفعلا فلقد تركت أباهما ... جزر السباع وكل نسر قشعم
لما رآني قد نزلت أريده ... أبدى نواجذه لغير تبسم
وفي هذه الوقعة يقول عنترة الفوارس:
فلتعلمن إذا التقت فرساننا ... يوم المريقب أن ظنك أحمق
يوم ذي حسى
لذبيان على عبس
ثم إن ذبيان تجمعت لما أصابت بنو عبس منهم يوم المريقب: فزارة، ابن ذبيان، ومرة بن عوف بن سعد بن ذبيان، وأحلافهم، فنزلوا فتوافوا بذي حسا، وهو وادي الصفا من أرض الشربة، وبينها وبين قطن ثلاث ليال، وبينها وبين اليعمرية ليلة. فهربت بنو عبر، وخافت أن لا تقوم بجماعة بني ذبيان، واتبعوهم حتى لحقوهم، فقالوا: التفاني أو تقيدونا. فأشار قيس ابن زهير على الربيع بن زياد ألا يناجزوهم وأن يعطوهم رهائن من أبنائهم حتى ينظروا في أمرهم. فتراضوا أن تكون رهنهم عند سبيع بن عمرو، أحد بني ثعلبة ابن سعد بن ذبيان. فدفعوا إليه ثمانية من الصبيان وانصرفوا، وتكاف الناس. وكان رأي الربيع مناجزتهم. فصرفه قيس عن ذلك. فقال الربيع:
أقول ولم أملك لقيس نصيحة ... أرى ما يرى والله بالغيب أعلم
أتبقي على ذبيان في قتل مالك ... فقد حش جاني الحرب نارا تضرم
فمكثت رهنهم عند سبيع بن عمرو حتى حضرته الوفاة، فقال لابنه مالك ابن سبيع: إن عندك مكرمة لا تبيد، لا ضير إن أنت حفظت هؤلاء الأغيلمة، فكأني بك لو مت أتاك خالك حذيفة بن بدر فعصر لك عينيه وقال: هلك سيدنا، ثم خدعك عنهم حتى تدفعهم إليه فيقتلهم، فلا تشرف بعدها أبدا، فإن خفت ذلك فاذهب بهم إلى قومهم. فلما هلك شبيع أطاف حذيفة بابنه مالك وخدعه حتى دفعهم إليه. فأتى بهم اليعمرية، فجعل يبرز كل يوم غلاما فينصبه غرضا، ويقول: ناد أباك. فينادي أباه حتى يقتله.
يوم اليعمرية
لعبس على ذبيان
فلما بلغ ذلك من فعل حذيفة بني عبس أتوهم باليعمرية فلقوهم - بالحرة، حرة اليعمرية - فقتلوا منهم اثني عشر رجلا، منهم: مالك بن سبيع الذي رمى بالغلمة إلى حذيفة، وأخوه يزيد بن سبيع، وعامر بن لوذان، والحارث بن زيد، وهرم بن ضمضم، أخو حصين. ويقال ليوم اليعمرية يوم نفر، لأن بينهما أقل من نصف يوم.
يوم الهباءة
لعبس على ذبيان
ثم اجتمعوا فالتقوا في يوم قائظ إلى جنب جفر الهباءة، واقتتلوا من بكرة حتى أنتصف النهار، وحجز الحر بينهم، وكان حذيفة بن بدر يحرق فخذيه الركض فقال قيس بن زهير: يا بني عبس، إن حذيفة غدا إذا احتدمت الوديقة مستنقع في جفر الهباءة، فعليكم بها. فخرجوا حتى وقعوا على أثر صارف، فرس حذيفة، والحنفاء، فرس حمل بن بذر. فقال قيس بن زهير: هذا أثر الحنفاء وصارف، فقفوا أثرهما حتى توافوا مع الظهيرة على الهباءة. فبصر بهم حمل بن بدر، فقال لهم: من أبغض الناس إليكم أن يقف على رؤوسكم؟ قالوا: قيس ابن زهير والربيع بن زياد، فقال: هذا قيس بن زهير قد أتاكم. فلم ينقض كلامه حتى وقف قيس وأصحابه على جفر الهباءة، وقيس يقول: لبيكم لبيكم - يعني إجابة الصبية الذين كانوا ينادونهم إذ يقتلون - وفي الجفر حذيفة وحمل، ابنا بدر، ومالك بن بدر، وورقاء بن هلال، من بني ثعلبة بن سعد، وحنش بن وهب. فوقف عليهم شداد بن معاوية العبسي؛ وهو فارس جروة، وجروة فرسه، ولها يقول:
ومن يك سائلا عني فإني ... وجروة كالشجا تحت الوريد
أقوتها بقوتي إن شتونا ... وألحقها ردائي في الجليد
¥