تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[ترجمة لعالم العروض والعربية]

ـ[باحث لغوي]ــــــــ[15 - 08 - 2005, 02:33 م]ـ

:::

تمهيد:

ارتبطت شهرة الخليل بن أحمد الفراهيدي الأزدي العماني بعلم العروض، حتى إنَّ المرء عندما يذكر الشعر العربي - وهو ديوان العرب - لا بدَّ أن يتوارد إلى ذهنه هذا العبقري الفذ، الذي حيَّر من عاصره ومن جاء بعده، ولكنَّ الذي يعرفه القلَّة القليلة عن هذا العالم الجليل هو أنَّه كانت على يده بداية علمية لا تقل أهمية عن علم العروض.

فهو أوَّل من ابتكر التأليف المعجمي، وكانت له مدرسة فيه خاصَّة [1] وهو مخترع علم النحو الذي لقّنه لتلميذه سيبويه، وهو مخترع علم الموسيقى المعرفية التي جمع فيها أصناف النَّظم، وهو الذي وضع تشكيل الحروف العربية، وقد كانت من قبله لا تشكيل واضح لها؛ فسهَّل بذلك تلاوة القرآن، فنال بذلك أجرا عظيما، حتى قيل إنَّ عصره لم يعرف أذكى منه، وأعلم وأعفَّ وأزهد.

والحقُّ إنَّ هذا العالم الذي بهر معاصريه بأخلاقه وزهده وورعه إلى جانب ذكائه وعبقريته، لم يجد العناية التي يستحقُّها من الكُتَّاب والمؤرِّخين، بل وجد منهم الإهمال والتغافل كما سنوضِّح ذلك. وإلى هذه الإشكالية يشير أحد الدارسين المتخصصين قائلا:

«ومن العجب أنَّ الخليل لم يعرف على حقيقته في مختلف العصور، على الرغم من أنَّ معاصريه ومن خلفهم قد أفادوا من عمله الشيء الكثير». [2]

ولعلَّ هذا يعود إلى أنَّ عبقرية الخليل لم تدرك بأتم معنى الكلمة إلاَّ في عصرنا هذا الذي عرف المخابر الصوتية، والحاسوب الآلي، كما عرف محاولات تطوير الإيقاع الموسيقي فيما يطلق عليه الشعر الحديث، فكلُّ تلك المحاولات رغم ادِّعائها التجديد لم تستطع الخروج عن الدوائر الخمس، التي استطاع أن يحصر في محيطها كلَّ بحور الشعر العربي المستعملة وما يمكن أيضا أن يستعمل.

إنَّه مثل غيره من العمانيين الذين كتب الله عليهم أن ينشئوا ويتعلَّموا ويشتهروا في ديار الغربة بعيدا عن موطنهم الأصلي، وكأنَّ الأقدار كانت تهيِّئ هذا العالِم الجليل لأمر عظيم لا يكون في مستوى عُمَان وحدها، بل يتخطَّى ذلك كلَّه إلى أن يكون في مستوى الإنسانية قاطبة؛ لأنَّ في العلوم التي اخترعها أو ابتدعها ما يضفي عطاءه وخيره على الناس جميعاً، وليس على المسلمين أو العرب وحدهم.

وهو يعدُّ من هؤلاء الزمرة من مواطنيه الذين اشتهروا خارج وطنهم من أمثال جابر بن زيد، والربيع بن حبيب، والمبرد، وابن دريد وغيرهم.

ففي البصرة التي كان يطلق عليها "بصرة الأزد" نشأ وتربَّى وعاش، وليس لدينا من المعلومات ما يجعلنا نقف على تفاصيل نشأته هذه سوى ما تحكيه بعض المصادر عن ذكائه الخارق، وجرأته منذ نعومة أظفاره، فقد قيل إنَّ الفرزدق الشاعر المعروف كان مارًّا بإحدى طرق البصرة، وكان الصبية يلعبون بها، وما إن مرَّ بهم الفرزدق فوق بغلته حتى أخذوا يرمقونه بأعينهم، ويبدو أنَّ ذمامة خلقه استوقفت أنظارهم، فأراد أن يخوِّفهم فقال:

نظروا إليك بأعين محمرة

نظر التيوس إلى مُدى القصَّاب

وضغط على كلمة مدى، وكأنَّه يريد بذلك ترويعهم، فتفرَّق الصبية مذعورين من حوله، إلاَّ صبيا واحدا وقف ينظر إليه في تحد قائلاً: «نظرنا إليك كما ينظر إلى القرد؛ لأنَّك مليح» وتضاحك الصبية، وخاف الفرزدق أن يصل خبر هذه الأحدوثة إلى أسماع جرير فيجعلها موضوعا لإحدى نقائضه، وفضّل الانصراف على الفضيحة.

هذا خبر تناقلته المصادر القديمة والمراجع الحديثة [3]، نستشهد به عادة عندما نتحدَّث عن ذكاء وعبقرية الخليل منذ صباه، وهي مفتاح هذه الشخصية العظيمة التي دلَّ ما تركته من علم وإبداع، وما اشتهر به من ورع وتقوى وانقطاع إلى العلم، على أنَّنا أمام عبقرية نادرة، كما سنرى، ويكفي أن نورد ما قاله فيه المحدِّث المشهور سفيان بن عيينة: «من أراد أن ينظر إلى رجل من ذهب ومسك فلينظر إلى الخليل» [4]

ونودُّ قبل أن تسترسل مع هذه الشهادات العلمية المشرِّفة أن نبدأ مع الخليل بن أحمد الفراهيدي منذ البداية.

وأوَّل سؤال يتبادر إلى أذهاننا هو: من هو الخليل بن أحمد؟

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير