تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[نزهة في رياض بحر المتدارك]

ـ[أبو-أحمد]ــــــــ[07 - 10 - 2006, 01:14 ص]ـ

[نزهة في رياض بحر المتدارك]

بحر المتدارك، مثل غيره من البحور الشعرية، له أشكال متعددة، ولكنه فاق غيره من البحور بتعدد أسمائه، فهو المتدارك، والخبب، وركض الخيل، والمُحدث، والغريبُ، والشقيق، والمتقاطر، والمتداني، والمتسق، وغيرذلك، ولكن أكثر أسمائه جريانا على الألسنة هي الخبب والمحدث والمتدارك على الترتيب.

وقد شك حازم القرطاجني * في أن الخبب من وضع العرب، وتفاعيله عنده:

مُتَفاعِلَتُن مُتَفاعِلَتُنْ (في كل شطر)

المفتاح الذي وضعه صفي الدين الحِلّي لهذا البحر:

حرَكاتُ المُحْدَثِ تنتَقِلُ = فَعِلُنْ فَعِلُنْ فََعِلُنْ فَعِلُ

أما الباحث والأديب والشاعر الفلسطيني المعاصر " محمود مرعي " ** فقد وضع له مفتاحين:

المفتاح الأول يُظهر تفاعيل البحر على أصلها:

أدرَكَ الشَّعرَ مَن بالخليل ِاقتدى = فاعِلُنْ فاعِلُنْ فاعِلُنْ فاعِلُنْ

المفتاح الثاني يُظهر جميع أشكال تفاعيله:

في المُتَدارَكِ الوزنُ العَجَبُ = فاعِلُ فاعِلُنْ فَعْلُنْ فَعِلُنْ

وقد نُسِبت إلى الخليل أشعارعلى وزن الخبب للتدليل على أنه عَرف هذا البحر على قول البعض، وعلى قول البعض الآخر أن الخليل عرفه ولم يذكره أو أنه لم يعرفه، ولذلك قالوا: إن الأخفش (سعيد بن مسعدة) هو الذي استدركه على الخليل، ولهذا سُمّي بالمتدارك. بالنسبة لي، أنا كاتب هذه الكلمات، أميل إلى قول من قال أن الخليل عرفه، ليس لأنهم رووا عن الخليل أبياتا منه، إذ ربما نسبوا تلك الأبيات إليه بقصد الانتصار لذلك العالم الفذّ والتدليل على معرفته له، ولكني أستبعد، بل أرى من شبه المُحال أن يكون الخليل قد جهل هذا الوزن الذي عرفته الإبلُ بله الحُداةُ من الناس على مر العصور. وإليكم بعض الأبيات التي قيل أنها للخليل:

سُئِلوا فأبَوْا فلقدْ بخلوا = فلبِئسَ لعَمرُكَ ما فعلوا

أوَقفتَ على طلل ٍ طرَباً = فشجاكَ وأحزَنكَ الطللُأما إهمال الخليل لهذا البحر فإنه، ربما، يعود لأحد أمرين، أولهما: أن هذا الوزن ليس من أوزان العرب كما قال حازم ولهذا السبب أهمله الخليل، وثانيهما، وهو الأهمّ: أنه رأى أن وزن هذا البحر يتردد على ألسنة العامة في الحداء، ولم يجد من أشعار العرب الفصحاء ما يمكن ان يكونوا قد نظموها عليه، ولهذا أهمله، والله أعلم بالصواب. وأورد لكم هنا اقتباسا مما قاله أبو العلاءالمعري في رسالته التي سمّاها:" الصاهل والشاحج " عن بحر المتدارك. يقول المعري: " ولولا أن الوزن الذي يسمى ركض الخيل وزن ركيك ...... ، ولكنه وزن هجرته الفحول في الجاهلية وفي الإسلام."، ويتضح من كلام المعري أن وزن المتدارك كان معروفا في الجاهلية، وهذا يؤيد معرفة الخليل له. أعود، الآن، إلى الأمر الأول الذي ذكرتُهُ آنفاً لعل فيه بعض الفائدة، فأقول، وبالله أستعين:

من المعروف أن لغير العرب أشعارا وأوزانا، ومن اولئك، الفرس الذين اتصلوا، منذ بداية دولة العباسيين على وجه الخصوص، بالعرب اتصالا وثيقا، ومن المعروف أيضا، أن بحر السلسلة أو الرباعي وهو ما سُميَ عند الفرس بالدوبيت (دو=2، بيت = بَيْت) أي أنه لا ينظم عليه أكثر من بيتين، قد نظم عليه العرب أشعارا من صنف الرباعيات في مواضع مخصوصة أهمها الغزل، واللوعة من صدود الإحبة أو فراقهم، وهم يعرفون أنه فارسي، لكنه لم يشع شيوعا كبيرا في العربية، ولو انه ما زال مستعملا في الكويت، والبحرين، وعُمان حيث ينظمون عليه الأغاني والأشعار، وإليكم وزنه عند حازم:

مُستَفْعِلَتُنْ مستفعلن مستعلن (في كل شطر)

وذكر غيرُ حازم وزنه كما يلي:

فَعْلُنْ مُتَفاعِلُنْ فَعولُنْ فَعِلُنْ (في كل شطر)

ومن الأمثلة عليه:

نفسي لكَ زائراً وفي الهجر فِدا = يا مؤنسَ وحدتي إذا الليلُ هدا

إن كان فراقنا مع الصبح بدا = لا أسفَرَ بعد ذاكَ صبحٌ أبدا

ومن شعر ابن الفارض:

ما أحسنَ ما بُلبِلَ منه الصَّدغُ = قد بلبَلَ عقلي وعذولي يلغو

ما بتُّ لديغا من هواه وحدي = من عقربه في كل قلبٍ لدْغ ُـ

بعد هذا الاستطراد الذي أرجو ان يكون ممتعا، أعود إلى أصل الموضوع فأقول:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير