[تحويل القرآن إلى شعر]
ـ[عماد كتوت]ــــــــ[02 - 02 - 2006, 02:48 م]ـ
أخواني الكرام:
منذ زمن وأنا أفكر في موضوع أحببت أن أشارككم به، وأرى رأيكم فيه، وهو يتعلق بما يسمى شعر التفعيلة وأنه ليس بشعر بدليل الآيات القرآنية، نعم ربما يستغرب بعضكم هذا الطرح، ولكنني اقتنعت به، كما اقتنعت بأن انتشار مثل ذلك النوع من الأدب وتسميته (شعرا) له هدف بعيد المدى للنيل من القرآن الكريم، وذلك لما هو آت:
أولا: أن المشركين عندما اتهموا الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه شاعر كانوا يدركون كذب اتهامهم فهم أهل الشعر والبلاغة، ولكنهم لم يجدو في الفنون الأدبية التي عرفوها من شعر ونثر شيئا يشبه القرآن إلا الشعرمع إيمانهم المطلق بأن القرآن ليس شعرا، بدليل عدم ثباتهم على هذا الرأي، فمرة يقولون أن الرسول صلى الله عليه وسلم شاعر ومرة ساحر ومرة أنه يتلقاه من أهل الكتاب ................. الخ مهاتراتهم.
ثانيا: أن الله عز وجل نفى عن رسوله الكريم تهمة الشعر، وهنا مربط الفرس، إذ أن في نفي الله عز وجل تهمة الشعر عن الرسول صلى الله عليه وسلم وبالتالي عن القرآن يعني بالضرورة إثبات أن ما يقوله العرب هو الشعر بأركانه المعروفة عندهم من وزن وقافية وغيرها، وأن القرآن خال منها وبالتالي فإن أي كلام لا يحتوي تلك الأركان هو بالضرورة ليس شعرا.
ثالثا: لقد أدرك الأولون والآخرون أن القرآن لا يشيء يشبهه أو يضاهيه علو مرتبة، وكمال، واتساق، وبلاغة وإعجاز، وما المحاولات التي قام بها عدد من بلغاء العرب وأدبائهم مثل ابن المقفع وغيره للإتيان بمثل القرآن إلا دليل آخر يضاف إلى الأدلة المتضافرة بأن القرآن هو كلام الله الذي يستحيل الإتيان بمثله.
ثالثا: وبناء على ما سبق فقد أدرك أعداء الإسلام هذه الحقيقة، ولم يجدوا منفذا للنيل من الإسلام إلا بالتشكيك بالقرآن، لأنه السبيل الوحيد المتاح أمامهم، في ظل عدم قدرتهم على الإتيان بمثل القرآن، ولكن كيف يصلون إلى هذا الهدف؟؟
رابعا: لقد نظر أعداء الإسلام إلى القرآن من جميع زواياه وقلبوه على أوجهه المختلفة، فلم يجدوا سبيلا إليه إلا من ناحية التشكيك بفكرة أنه كلام معجز، مستندين إلى رأي كفار قريش به وأنه شعر ومن هنا أمسك أعداء الإسلام بأول الخيط، ورأوا أن عليهم أن يعكسوا الآية وألا يقعوا في الخطأ الذي وقع به كفار قريش، كي تنجح فكرتهم، بمعنى أن عليهم أن يزيلوا الفوارق بين الشعر والقرآن عن طريق جعل شكل الشعر يشبه شكل القرآن وليس العكس، لاستحالة قلب الآية.
خامسا: من هنا بدأ أعداء الإسلام العمل على تقويض أركان الشعر مستعينين بأدبائهم وشعرائهم ومفكريهم، حيث وجدوا أن نجاح فكرتهم يعتمد على تقبل العرب لهذه الفكرة بداية، لذلك عملوا على نشر الشعر الغربي الذي لا يراعي الضوابط الموجودة في الشعر العربي، حيث نجحوا في جعله مستساغا لدى بعض الشعراء العرب الكبار الذين لولاهم لما نجحت الخطة التي أكملها أولئك الشعراء بقصد أو بدون قصد، إذ عملوا على نشر نوع جديد من الشعر سموه الشعر (الحر) أو شعر (التفعيلة) الذي لقي رواجا فيما بعد وعلى نطاق واسع، ليحقق لأعداء الإسلام هدفهم الأول وهو تقويض أهم ركن من أركان الشعر وهو البحر الشعري، الذي يلزم الشاعر بعدد معين من التفعيلات في كل بيت، وهو ما يعني اقترابهم من جعل شكل الشعر مثل شكل القرآن.
سادسا: بعد رواج شعر (التفعيلة) بدأت الخطوة الثانية التي هدفت إلى تقويض الركن الثاني الأهم في الشعر وهو الوزن، حيث نجح أعداء الإسلام بتجنيد عدد آخر من الأدباء والشعراء الذين حمل لواءهم المدعو (أدونيس) حيث سخرت الماكينة الإعلامية الغربية نفسها لتلميعه، وأسبغت عليه من الصفات التي جعلت منه (نبيا) للشعر، ولكن ليس الشعر (الحر) هذه المرة، ولكنه نوع آخر (هجين) بين الشعر والنثر، أسموه (بالشعر النثري)!! أو (قصيدة النثر)!!
سابعا: بعد كل ما تقدم، لم يكتف أعداء الإسلام بهذا الحد، فأصبحنا نسمع مقولات تنطلق هنا وهناك، مثل (الشعر للشعر) و (إذا فُهم الشعر فهو ليس بشعر) على حد زعم أحد المستشرقين الألمان، وذلك بهدف القضاء على جمالية الشعر الذي أصبح (كلاسيكيا) لا يناسب روح العصر، كما أصبحنا نسمع بالقصيدة (التشكيلية) التي لم يعرف أصحابها كنهها حتى الآن.
ثامنا: وفي نهاية المطاف، فإن قلنا أن القرآن ليس شعرا لأنه يخلو من البحر الشعري ردوا علينا بقصيدة التفعيلة، وإن قلنا أن القرآن ليس شعرا لأنه يخلو من الوزن، ردوا علينا بشعر النثر، وإن تطرقنا للقافية فالأمر سيان في القرآن وشعر التفعيلة والقصيدة النثرية، فماذا تبقى لتمييز القرآن عن الشعر؟؟ البلاغة؟ هي ليست مقياسا لأنها تتفاوت بين الشعراء، فالمتنبي مثلا لم يوجد شاعر يضاهيه لا قديما ولا حديثا، حسن السبك؟ المفردات والمعاني؟ أو غيرها من الأمور؟ سنجد ردا جاهزا في كل الأحوال، دون إغفال أن ضعف الإيمان عند المسلمين، وما يعانيه الإسلام من غربة بين أهله سيجعل هذه الفكرة بعد حين مقبولة ومستساغة إن كان في هذا الزمن من يرفضها، كما رفضنا سابقا الشعر الحر الذي أصبح قويا لدرج أن لا احد يستطيع إنكار أنه ليس من الشعر في هذا الزمن.
وأخيرا فإن ما تقدم لا يعني أن باستطاعة الثقلين لو اجتمعا الإتيان بمثل القرآن الذي تتعدد أوجه إعجازه، ولا تقتصر فقط على الناحية البلاغية، ولكن إدخال الشك إلى ضعاف النفوس هو أمر كاف بالنسبة لأعداء الإسلام في الوقت الحاضر، لذلك فأنا أرى أن الانتباه لهذا الأمر واجب على كل المسلمين خاصة طبقة المثقفين، التي يجب عليها الوقوف في وجه محاولات تقويض أركان الشعر، وجعله والقرآن بمنزلة واحدة.
¥