[الدوبيت]
ـ[د. عمر خلوف]ــــــــ[13 - 10 - 2006, 12:25 ص]ـ
الدّوبيت
هو أحد الأوزان الشعرية المستحدثة، الخارجة على قواعد العروض العربي. ومع ذلك؛ فقد كُتِبتْ له الشهرة والانتشار قروناً عديدة. فمنذ نشأته؛ استساغ إيقاعَه الغنائيَّ الكثيرُ من شعراء العربية فكتبوا عليه الرباعيات العديدة، والقصائد الطويلة، والموشحات العذبة، حتى أصبحَ ما كُتِبَ عليه يفوقُ -كَمّاً- ما كُتِبَ على بعض الأوزان الخليلية. ومعَ ذلك، فقلّما تجِدُ في عصرنا مَنْ سمعَ به!
ويَشي اسمه بأنه فارسيّ الأصل. فكلمةُ (دوبيت) -وهي علَمٌ عليه- كلمةٌ فارسيةٌ تعني (بيتين)، إشارةً منهم إلى طريقة النظمِ عليه، حيث يُعبَّرُ بكلِّ بيتين منه عن فكرةٍ محدّدة.
يقول عفيف الدين التلمساني (-690هـ):
الدّهْرُ رياضٌ، نحنُ فيها الزَّهَرُ ** والكَوْنُ غصونٌ، نحنُ فيها الثمَرُ
والْمُلْكُ لنا، وما علينا حَرَجٌ ** والعيشُ صَفا، فما الذي ننتظِرُ؟
ويقول أبو البحر الخطّي (-1028هـ):
يا مَنْ بِهَواهُ سِيطَ لَحْمي ودَمي ** لا نَالَكَ ما تراهُ بِي مِنْ ألَمِ
إنْ لَمْ تَهَبِ الحياةَ في وَصْلِكَ لي ** فامْنُنْ كَرَماً ورُدَّني للعَدَمِ
وهم كثيراً ما يسمونه بالرّباعي (أو الرباعيات). وذلك راجعٌ إلى كتابته -مشطوراً- على أربعة شطورٍ مقفّاة برويٍّ واحد، تبقى في مجموعِها بيتين اثنين أيضاً؛ كما في قول العماد الأصبهاني:
لا راحَةَ في العيشِ سوى أنْ أغزو
سيفي طَرَباً إلى العُلا يهتزُّ
في قتْلِ ذوي الكُفْرِ يكونُ العِزُّ
والقدْرةُ في غيرِ جهادٍ عَجْزُ
وكما في قول جلال الدين الرومي:
يا مَنْ هوَ سيّدي وأعلى وأجَلْ
يا مَنْ أَنَاْ عبْدُهُ وأدنى وأقَلْ
حاشاكَ تملّني، وحاشاكَ تُمَلْ
إنْ لَمْ يكُنِ الوابِلُ بالوَصْلِ فطَلْ
ولكننا نفضل استخدامَ مصطلح (الدوبيت)، لأنه علَمٌ على هذا الوزن، لا يُشاركه فيه أيّ بحرٍ آخر، يُشبه قولَنا: الكاملَ أو الطويلَ أو البسيط. بينما تشير كلمة (الرباعيات) إلى جميع ما كُتبَ بطريقة الرباعيات، على أيِّ وزنٍ كان.
وربما كان ظهور رباعيات الدوبيت في أواخر القرن الثالث الهجري. حيث جاء ذكرها في كلامٍ للجنيد البغدادي (-298هـ)، ومعاصره أبي الفضل الهاشمي (-317هـ)، إبّان انتشارها في غزنين. ولكن الغريب فعلاً أنْ تكون أقدم رباعية دوبيتية معروفة هي رباعية عربية، حيث يعود تاريخها إلى أواخر القرن الثالث الهجري، عصر اكتشاف الدوبيت نفسه. فقد وجَدْتُ في ديوان الحلاّج (-309هـ) رباعية دوبيتية فريدة، فاتَ ذكْرُها على جامع (ديوان الدوبيت، ومستدرَكَيْه)، مع أنه هو محقّق ديوان الحلاج! يقول فيها:
كَمْ ينشُرُني الهوى وكَمْ يطويني ** يا مالِكَ دُنْيايَ ومالِكَ دِينِي
يا مَنْ هُوَ جَنَّتي، ويا روحِي أنا ** إنْ دامَ علَيَّ هجْرُكُمْ يُعْيِينِي
بل أورد ابن إياس الحنفي (-؟ هـ) للإمام الشافعي (-204هـ) ست رباعيات دوبيتية، فاتت كذلك على جامع (ديوان الدوبيت)، هي الأقدم إن صحّت نسبتها إلى الشافعي، يقول في أولاها:
رزْقي يَأْتي، وخالقي يكفلُهُ ** لا أفْضُلُ غيرَهُ ولا أسألُهُ
إنْ كنتُ أظنُّ أنّهُ منْ بَشَرٍ ** لا قدَّرَهُ اللهُ ولا يسّرَهُ
كما أورد ابن تغري بردي (-874 هـ) للعَتّابي (-220هـ) شاعر البرامكة والرشيد، رباعيةً دوبيتية، نسَبَها خطَأً إلى المواليا، وفاتت كذلك على جامع (ديوان الدوبيت)، هي من أقدم الدوبيتات المعروفة إنْ صحّت نسبتها إلى العتّابي كذلك، يقول فيها:
[يا ساقٍ] خُصَّني بِما تَهْواهُ ** لا تمزِجْ أقداحي رعاكَ اللهُ
دعْها صِرْفاً فإنّني أمزِجُها ** إذْ أشْرَبُها بذِكْرِ مَنْ أهواهُ
ومن الرباعيات العربية القديمة؛ التي فات ذكْرُها على جامع (ديوان الدوبيت) أيضاً، ويعود تاريخها إلى أواخر القرن الرابع الهجري، قول أبي الفتح البسْتي (-400هـ):
قولا لِمُنى قلْبِيَ إسْماعيلا
أنعِمْ بنَعَمْ، أطَلْتَ إسْماعي لا
أشْعَلْتَ جَوايَ بالهوى تشعيلا
أدْرِكْ رَمَقي، فإنّ صبرِيَ عِيلا
وأغرب من ذلك أن تعود أقدم رباعيات الدوبيت الفارسية المعروفة، إلى بدايات القرن الخامس الهجري، حيث اشتهر بها أبو سعيد بن أبي الخير (-440هـ)، الذي يُنسب إليه الجزء الأكبر من رباعيات الخيام. وله رباعيتان عربيتان. مما يدعم آراء القائلين بعربية هذا الوزن.
¥