حكايتي مع المخلّع
ـ[الطائي]ــــــــ[16 - 09 - 2005, 06:39 م]ـ
البحر المسمى (مخلّع البسيط) بحرٌ يستهويني الترنم به وإنشاده، لسببٍ لا أعلمه، ولمن لا يعرف هذا البحر أقول:
هو بحرٌ استُخرج من بحر البسيط، وتفعيلات البسيط هي:
مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن
أما تفعيلات مخلّع البسيط فهي:
مستفعلن فاعلن فعولن
وكنت ولا أزال أتغنّى ببيت نُسج على هذا البحر، وهو:
من يسأل الناس يحرموه ... وسائل الله لا يخيبُ
وكذلك بيت راوية الشاعر بشار بن برد المسمى سَلْماً الخاسر:
من راقب الناس مات هما ... وفاز باللذة الجَسورُ
وقد سوّلَت لي نفسي الإبحار في لجج هذا البحر، إلا أنني هِبْتُه مذ علمتُ أنّ الشاعر الجاهليّ عبيد بن الأبرص رام الإبحار فيه فغرق، وذلك في قصيدته المعروفة التي مطلعها:
أقفر من أهله ملحوبُ ... فالقطّبياتُ فالذنوبُ
وتمرّ الأيام وأنا مضمرٌ العشق لهذا البحر، أهشّ له حيث أجده، فأغنّيه وأدندنه. وذات يوم صادفت قصيدة لأحد شعراء الشبكة العالمية رمز لنفسه باسم (جرير الصغير)، ولمّا رأيته (صغيراً) سوّلَتْ لي نفسي الأمّارة بالسوء أن أستعرض عضلاتي العروضية على هذا الأخ، وليتني لم أفعل؛ فقد فضحتُ جهلي.
قرأتُ قصيدة الأخ جرير الصغير، وأدركت للوهلة الأولى أنّها من البحر المحبّب لدي (مخلّع البسيط)، وغنيتها وترنّمتُ بها، فما أباها الذوق ولا مجّتها الأذن؛ ولكنني عندما حاولت أن أقطّعها لأتأكد أنها سارت على تفعيلات البحر ولم تخرج عنها؛ فوجئتُ بها - في معظم أبياتها - تتمرّد على تفعيلات بحري الحبيب، فجنّ جنوني، وتملّكتني الحيرة، وما زاد في حيرتي هو أنّ القصيدة تتمرّد على تفعيلات البحر بانتظام عجيب، هكذا:
تفعيلات المخلّع: مستفعلن فاعلن فعولن
تفعيلات القصيدة:- في معظم أبياتها -: مستفعلن (مستفعلْ) فعولن
فتلبّستني غيرةٌ على علم العروض الأثير لديّ وبطشتُ بالشاعر واصماً إياه بمجانبة الصواب، ورحتُ أُعْمِلُ قلماً رداؤه الجهل وإزاره التسرّع حتى أتيتُ على معظم الأبيات تحطيماً وتقويماً - بزعمي - ولكن؛ عندما انتصفتُ في عملي الطفوليّ هذا، عاد إليّ رشدي، وهدأت حدّة نَزَقي، واستعذتُ بالله من الشيطان الرجيم. ورُحتُ أبحثُ في الشبكة عمّا يقمع جهلي المعربد، فوجدتُ أنني ظلمتُ الرجل، وتجنّيتُ عليه، وفي الوقت ذاته حمدتُ الله أن جعل من هذا الذي حدث سبباً لأتعلّم جديداً، وقد تعلّمت وعلمت.
علمتُ أنّ في أبحر الشعر بحراً تجري تفعيلاته هكذا:
((مستفعلاتن مستفعلاتن))، ويجوز في مستفعلاتن أن تكون (متفعلاتن)، وعدتُ إلى قصيدة جرير (الكبير) فوجدتُها تستقيم على هذا البحر تماماً دون الحاجة للمخلّع، وإن كان المخلّع يتّفق مع هذا البحر إذا التزمنا (متفعلاتن) في التفعيلة الثانية.
غير أنّ هناك أمراً حيّرني، فبعض المراجع تزعم أنّه بحر خليليّ صرف استُخرج من بحر البسيط، ومراجع أخرى تزعم أنه من ابتكار عالمٍ يدعى حازماً القرطاجنّي، ولا أعلم من أي العصور هو، وله كتاب اسمه (منهاج البلغاء وسراج الأدباء)، ومراجع أخرى تزعم أن الشاعرة (نازك الملائكة) هي مبتكرة هذا البحر!!!
أرجو من الإخوة والأخوات إغاثتي، وإفادتي، وأن يشاركوني حيرتي، فإما أن نحتار سوياً، أو أن نهتدي سوياً ...
وإني معتذرٌ من الأخ جرير الكبير، وشاكره شكراً جزيلاً فقد كان سبباً في إفادتي علماً جديداً ...
للجميع صادق ودّي ...
ـ[أبو بدر]ــــــــ[17 - 09 - 2005, 02:33 م]ـ
أخي الطائي الكريم
ذكرتني بهذا الرابط الذي يتناول هذا الموضوع فبحثت عنه لك ووجدته ولله الحمد
http://www.geocities.com/khashan_kh/47-mokhallaan.html
أرجو أن تجده مفيدا
ـ[الطائي]ــــــــ[20 - 09 - 2005, 04:38 ص]ـ
وبعد أن أهلكتُ خيولي الهزيلة، راكضاً الهيذبى في مضمار العروض الفسيح، وبعد أن استنفدت ما تبقى لي من قوة في معالجة ذاكرة أصابها الصدأ، وسليقة علاها الغبار، وبعد أن عدتُ لممارسة دور التلميذ، أطّلع وأنقب، وأبحث؛ بعد هذا كله خرجتُ بما يلي:
- هناك من ادّعى بأن هذا البحر بحر مخترع، وقد أشرتُ إلى ذلك في بداية الموضوع.
- هناك من سمى هذا البحر بـ (اللاحق) وإن كان الدكتور عمر خلوف قد أورد بحراً آخر وأسماه اللاحق أيضاً، وتفعيلاته (مستفعلن فاعلن فاعلن) وهنا إشكال!!
- هناك من سمى البحر بـ (مخلّع المنسرح) ولا أدري لماذا يسمى مخلعاً مع أنه يجري على المنسرح دون تخليع وإنما الحذذ فحسب، كما سأوضح لاحقاً.
- في أحد المنتديات أوحى لي أخٌ كريم رمز لنفسه باسم (الصمصام) بأنّه يميل إلى أن يكون هذا البحر من المنسرح مع إصابته بعلة الحذذ وذلك بحذف الوتد المجموع من آخره، وقد قمع رأي الأستاذ الصمصام كلّ التساؤلات، فأنختُ ركابي عنده ورضيت بما جاء به كلَّ الرضا؛ لنرَ:
المنسرح المحذوذ: مستفعلن / مفعولاتُ/ مستف = /ْ/ْ//ْ - /ْ/ْ/ْ/ - /ْ/ْ = 4 3 - 6 1 - 4 أي (4 3 6 3 2)
البحر المزعوم: مستفعلاتن/مستفعلاتن = /ْ/ْ//ْ/ْ - /ْ/ْ//ْ/ْ = 4 3 2 - 4 3 2 أي (4 3 6 3 2)
فما الذي يُلْجِئُنا إلى القول بأنه بحر مخترع، أو أنه أحد صور البسيط، مع اعتساف التفعيلات وليّ أعناقها، وهو مع المنسرح لا يصيبه إلا علة واحدة؟!!
وبعد، فلا يفوتني أن أشكر الأخ الكريم (أبو بدر) الذي أحالني إلى موضوعٍ في الشبكة كان له كبير الأثر في إنارة بصيرتي المعتمة ...
كما أدعو الإخوة والأخوات في (الفصيح) الحبيب أن يدلوا بدلوهم مؤيدين أو معارضين إلى ما ذهبتُ إليه ...
وللجميع صادق ودّي ...
¥