تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

( David Crystal, The Death of Language) صدر عن مطبعة جامعة كمبرج. ويعدّد هذا الكتاب تسعة شروط لموت اللغة. وجميع هذه الشروط تنطبق على اللغة العربية في وضعها الراهن، وفي مقدمتها شرط انتشار لغة الغالب في بلاد المغلوب وحلولها محلّ لغته التي هي من مقوِّمات الأُمّة. وهذا مبدأ معروف في علم الاجتماع أرساه المرحوم ابن خلدون في "المقدِّمة" بقوله: إن المغلوب مولع أبداً بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيّه ونِحلته وسائر أحواله وعوائده ... إن الأمّة إذا غُلِبت وصارت في ملك غيرها، أسرع إليها الفناء."

لعنة الازدواجية اللغوية: تعني الازدواجية اللغوية وجود مستويَين للغة الواحدة: أحداهما مستوى اللغة الفصيحة أو المشتركة الذي يُستخدَم في المناسبات الرسمية والكتابة والأدب والتعليم والإدارة، والآخر مستوى اللغة العامية أو اللهجات الدارجة الذي يُستعمل في الحياة اليومية وفي المحادثات في المنزل والشارع. وكان أوّل من بحث هذه الظاهرة اللغوية في العصر الحديث اللغوي الأمريكي تشارلز فرغيسون Charles Ferguson ونشر بحثه عنها عام 1959 في مجلة " اللغة " الأمريكية " Language". وأكد هذا اللغوي أن الازدواجية ظاهرة موجودة في جميع اللغات الكبرى. فالانجليزية في بريطانيا، مثلاً، لها لهجات متعددة في ويلز واستكلندة وإيرلندة الشمالية وحتى لهجة الكوكني في لندن، إضافة إلى لهجات الإنجليزية خارج بريطانيا كاللهجة الكندية والأمريكية والاسترالية والنيوزلندية والجنوب أفريقية إلخ. وكذلك الحال بالنسبة للغات الفرنسية والألمانية والإسبانية وغيرهما.

ولكن اللغويين لا يتوقعون أن تحلّ لهجات اللغات الإنجليزية والألمانية والفرنسية والإسبانية محلّ هذه اللغات في حين يتوقعون أن تحلّ، في المستقبل القريب، اللهجاتُ المصرية والعراقية والمغربية إلخ. محلَ اللغة العربية الفصيحة التي ستنقرض كما انقرضت اللغة اللاتينية في أوربا واستُعيض عنها بلهجاتها الإيطالية والفرنسية والإسبانية والبرتغالية إلخ. التي صارت لغات مستقلّة.

ونسأل لنتعلّم: وما هو الفرق بين الازدواجية في اللغة العربية والازدواجية في بقية اللغات العالمية؟ فيأتينا الجواب من العارفين بالقول: إن الفرق هو في الكم وليس في الكيف، بمعنى أن الفارق بين اللهجات الإنجليزية وبين اللغة الإنجليزية الفصيحة، مثلاً، هو فارق ضئيل جداً لا يحول دون الفهم، على حين أن الفارق بين اللغة العربية الفصحى ولهجاتها فارق كبير جداً. ونسأل لنستفيد: وكيف أصبح الفارق بين تلك اللغات العالمية ولهجاتها ضئيلاً؟ يجيب العارفون بأن الدول الغربية اتبعت ـ وتتبع دائماً ـ سياسات لغوية تفرض استخدام اللغة الفصيحة المشتركة في التعليم والإعلام والإدارة والتجارة وجميع مجالات الحياة، فيعتاد المواطنون على سماعها وقراءتها فيتمكنون منها وتقترب لغتهم الدارجة من اللغة الفصيحة. وفي فرنسا، مثلاً، يوجد فانون يعاقب مَن يُخطئ باللغة الفرنسية في الإذاعة أو التلفزة أو المدرسة، لأنه يُفسد لغة الأطفال وغيرهم.

وقد ذكر كثير من الباحثين في المؤتمر أن السياسات اللغوية للدول العربية تميل إلى تفضيل اللهجات العامية واللغات الأجنبية في مجالات الحياة المختلفة كالإعلام والتعليم، وتشجّع العاميّة في الإذاعة والتلفزة ولا تمنعها أو تقلل منها. (وكاتب هذا المقال يرى أنه لا توجد سياسات لغوية مُعلَنة في الأقطار العربية، ما عدا ما ورد في دساتيرها من أن العربية هي اللغة الرسمية للبلاد، ولكن ليس ثمة قوانين أو أنظمة لتفعيل ذلك). ويرى أولئك الباحثون أن هذه السياسات اللغوية للدول العربية تجعل لغة الكتاب العربية الفصيحة لغة غريبة نادرة الاستعمال يصعب استيعابها فلا يُقبل المواطنون على القراءة. وأدى ذلك، إضافة إلى أسباب أخرى كانتشار الأمية، إلى انخفاض نسبة القراءة وانحسار المعرفة في المجتمعات العربية. إذ تشير الإحصائيات إلى أن معدّل القراءة في إسرائيل هو 40 كتاباً للفرد الواحد (طبعاً باللغة العبرية، وهي لغة ميّتة تحييها دولة إسرائيل)، وفي معظم الدول الغربية 35 كتاباً للفرد، وفي السنغال 4 كتب للفرد، وفي بلادنا كتاب واحد لكل 80 فرداً (طبعاً باللغة العربية، وهي لغة حيّة تُميتها الدول العربية)، كما ورد في بحث الدكتور عبد الله الدنان من سوريا.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير