تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[فائدة عن اللغة المنطوقة واللغة المكتوبة]

ـ[مهاجر]ــــــــ[09 - 12 - 2009, 08:50 ص]ـ

يقول علماء اللغة عن اللغة المنطوقة بأنها أسبق في الوجود من اللغة المكتوبة، فذلك من الثابت تاريخيا فضلا عن ثبوته عقلا، فإن الشيء يدرك ابتداء بالحاسة الظاهرة كالسمع والبصر فذلك أول ما يطرق الفهم من المعاني الخارجية، ثم الحاسة الباطنة فالقوة العقلية التي تختزن صورة علمية للمعنى المدرك بالحس، ثم ينطق اللسان، سواء قيل بأن اللغة إلهامية أو وضعية، ينطق بلفظ دال على ذلك المعنى، فذلك هو الوجود اللفظي أو لغة الحديث، ثم تأتي المرحلة الأخيرة وهي رسم هذا اللفظ بلغة مكتوبة تدركها عقول الجماعة التي يعيش فيها الإنسان.

فاللغة المنطوقة أسبق في التصور والوجود من اللغة المكتوبة فالطفل يكتسب لغته من المجتمع الذي يعيش فيه قبل أن يتعلم الكتابة في التعليم النظامي وفق منهج مخطط بخلاف اكتسابه اللغة المنطوقة فهو اكتساب تلقائي عن طريق الملاحظة والمحاكاة لما يسمعه.

وعن مراتب الوجود يقول ابن تيمية رحمه الله:

"إن الشيء له وجود في نفسه هو وله وجود في المعلوم والأذهان ووجود في اللفظ واللسان ووجود في الخط والبيان ووجود عيني شخصي وعلمي ولفظي ورسمي وذلك كالشمس مثلا فلها تحقق في نفسها وهي الشمس التي في السماء ثم يتصور بالقلب الشمس ثم ينطق اللسان بلفظ الشمس ويكتب بالقلم الشمس.

والمقصود بالكتابة مطابقة اللفظ وباللفظ مطابقة العلم وبالعلم مطابقة المعلوم فإذا رأى الإنسان في كتاب خط الشمس أو سمع قائلا يذكر قال: هذه الشمس قد جعلها الله سراجا وهاجا وهذه الشمس تطلع من المشرق وتغرب في المغرب فهو يشير إلى ما سمعه من اللفظ ورآه من الخط وليس مراده نفس اللفظ والخط فإن ذلك ليس هو الشمس التي تطلع وتغرب وإنما مراده ما يقصد بالخط واللفظ ويراد بهما وهو المدلول المطابق لهما".

"الجواب الصحيح"، (2/ 202، 203).

ويقول في "الصفدية":

" .... فإن الشيء موجود في نفسه ثم الذهن يتصوره ثم يعبر اللسان عن ما تصوره الذهن ثم يكتب بالخط عبارة اللسان ولهذا يقال للشيء أربع وجودات وجود في الأعيان ووجود في الأذهان ووجود في اللسان ووجود في البنان وجود عيني وعلمي ولفظي ورسمي". اهـ

"الصفدية"، (2/ 277).

وعلماء المنطق يقسمون المعاني المدركة إلى:

المعاني المحسوسة وهذه مما يدرك بالحس الظاهر فهي تقابل الوجود العيني، والمعاني المتخيلة وهي الصور التي يختزنها الذهن لما يدركه الحس، فهي تقابل الوجود العلمي، ثم يستدعيها إذا أدركها الحس مرة أخرى كرؤية الإنسان شخصا لأول مرة فإنه يدرك صورته ابتداء بالقوة الباصرة ثم ينتقل هذا الوجود العيني إلى الذهن فيصير صورة علمية لذلك الشخص، فإذا رآه مرة أخرى استدعى الذهن الصورة ليقيسها قياس تمثيل على الصورة المشاهدة فيتأكد من مطابقة الصورة الذهنية للأصل الخارجي، فيقبل على ذلك الشخص مرحبا أو متكلما ...... إلخ من صور التواصل الاجتماعي، ولذلك يتوقف الإنسان إذا رأى عينا في الخارج تشبه الصورة العلمية المختزنة في ذهنه، فيتساءل هل الصورة التي في ذهني لهذه العين أو هو مجرد تشابه؟، لا سيما إن كانت الصورة العلمية المختزنة لشخص لم يره من سنين فهي قديمة كالصور الشخصية تماما ولذلك لا تقبل المؤسسات الرسمية صورا قديمة عند استخراج الوثائق فتشترط صورا حديثة لتكون الصورة الورقية التي تعادل في هذه الحال: الصورة العلمية أو التخيلية، لتكون مطابقة للأصل الخارجي.

والإنسان والحيوان يشتركان في إدراك هذين الوجودين، فالحيوان يعرف صاحبه إذا أقبل بنفس الطريقة التي يعرف بها الصاحب البشري صاحبه، مع الفارق طبعا!، فإدراك الإنسان أرقى، فبالصورة الحسية والتخييلية يدرك الحيوان لذاته من مأكل ومشرب ومنكح .... إلخ من الطبائع الحيوانية السفلية التي لا يستغني عنها أي حيوان ناطقا كان أو غير ناطق، فهي غرائز ركبها الرب، جل وعلا، فيه وأدلة أقامها عليه من نفسه، ليدرك الفارق بين جنس الربوبية الذي يتصف صاحبه بالغنى المطلق وجنس العبودية التي يتصف صاحبه بالفقر المطلق، فيحصل له بذلك من التأله للغني الحميد، جل وعلا، ما يصلح شأنه الديني والدنيوي.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير