تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[التوحد اللغوي]

ـ[مهاجر]ــــــــ[11 - 12 - 2009, 11:23 ص]ـ

تندرج اللهجات تحت اللغات اندراج الأنواع تحت الأجناس، فكليات اللغة موجودة في كل لهجة، وإن امتازت كل لهجة بخصائص عرفية واصطلاحية وصوتية تعارفت عليها الجماعة، فتنزل منزلة النوع المقيد بالعرف الخاص لهذه الجماعة، كما في لهجة الزنوج الأمريكيين، فهي لهجة خاصة بتلك الجماعة التي خضعت لعوامل اجتماعية غلب عليها الطابع العنصري الذي يؤدي إلى العزلة فاختصت تلك الجماعة بنمط لغوي يفارق اللغة الإنجليزية القياسية وإن لم يخرج عن قواعدها الأساسية، وقد عرف هذا النمط بـ: Black English أو: BE ، بل قد يخصص العرف اللهجة ليضيق نطاقها فلا تتعدى أصحاب صناعة بعينها سواء أكانت: صناعة معقولة كسائر مصطلحات أهل الفنون التي تختلف دلالتها من علم لآخر، فالخبر في علم النحو غير الخبر في علم المصطلح غير الخبر عند المؤرخين، وإن كان اللفظ الدال على جميعها واحدا، أم صناعة محسوسة واصطلاحات أصحاب المهن تصل أحيانا إلى حد من الغموض فلا يفهمها من يتكلم بلهجتهم ويعيش معهم في نفس البقعة فهي بمنزلة الكنايات الخاصة في علم البلاغة، فلا يدرك المراد منها إلا أصحابها.

وقد تصل العزلة إلى حد ابتكار لغة تخاطب جديدة، كما صنع الموريسكيون في الأندلس بعد إصدار العرش القشتالي مرسوما بمنع التخاطب والكتابة باللغة العربية في صورة من صور القهر الثقافي، إن صح التعبير، للقضاء على أهم خصائص الجماعة المسلمة الباقية في الأندلس، إذ اللغة بمنزلة القيد الجامع لأفراد الجماعة التي تتكلم بها المانع لغيرهم من الدخول في حدها، فهي تكفل لها بذلك استقلالية فكرية تمنع ذوبانها في غيرها، فكان لزاما على العرش الإسباني أن يسعى جاهدا في طمس هذه الهوية اللسانية التي تمثل بعدا دينيا بارزا في حياة أصحابها، فلجأ الموريسكيون إلى ابتكار لغة جديدة هي لغة:"الألخميادو"، وهي تحريف كلمة: "الأعجمية"، التي تكتب فيها القشتالية بحروف عربية وصارت تلك اللغة لغة الكتابة والتصنيف، فوضعت بها مصنفات في علوم إسلامية كالتفسير والسنة فضلا عما دون بها من الأشعار الموريسكية، واستمرت كما يقول بعض المؤرخين نحو قرنين، وهو ما ضمن للجماعة الأندلسية المسلمة المستترة بدينها نوع استقلال فشلت معه كل محاولات الإذابة في الوسط النصراني الإسباني فكان قرار طرد الأمة المسلمة من الجزيرة الأندلسية في واحدة من أكبر حركات التهجير القسري حفاظا على النقاء الديني بل المذهبي في إسبانيا النصرانية الكاثوليكية التي لا زالت حتى اليوم دولة شبه كاثوليكية خالصة إذ يدين نحو 94 % من سكانها بالكاثوليكية.

وفي إسبانيا، أيضا، يصر مواطنو إقليم الباسك على التمسك بكل خصائصهم القومية مع أن عددهم لا يتجاوز مليونين من أصل نحو 45 مليون نسمة، ولا يشغل إقليمهم إلا نحو 1,4 % فقط من مساحة الدولة، وصراعهم مع الحكومة المركزية معروف وهو صراع تمتد جذوره إلى ما قبل الفتح الإسلامي للجزيرة الأندلسية.

فالعامل الاجتماعي يفرض على أصحاب اللسان تغيير بعض أنماطه بل قد يفرض عليهم أحيانا إنشاء اصطلاح جديد للتخاطب.

والتوحد اللغوي، ولو قهرا، أمر تحرص عليه الأمم ذات الشخصية القومية القوية التي تصل غالبا إلى حد العنصرية، ولذلك ترفض الدول التي تعتز بقوميتها رفضا باتا إقحام أي لغة أخرى غير لغتها في مراحل التعليم الأساسية التي يتشكل فيها وجدان الفرد، ولعل من أبرز الأمثلة المعاصرة على ذلك: رفض الرئيس الفرنسي السابق: جاك شيراك، وهو معروف باعتزازه الكبير بقوميته الفرنسية مما جعله صاحب شعبية كبيرة في بلاده، رفضه توقيع قانون يسمح بتدريس لغات أخرى غير الفرنسية على نطاق واسع يجعلها تزاحم اللغة الأم، مبررا ذلك بأنه لا يستطيع التوقيع على قانون: "بلقنة فرنسا"!، في إشارة إلى تعدد القوميات في منطقة البلقان وهو الذي كان سببا من أسباب تفجر الصراع فيها، فلم يكن، كما يروج في دول العالم الإسلامي في إطار حملة الاختراق الثقافي، لم يكن سببا في التعددية الثقافية التي تسمح بالتواصل بين الحضارات ...... إلخ من تلك الشعارات البراقة التي تخدع الناظر فيها بادي الرأي.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير