تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[عن القومية واللغة]

ـ[مهاجر]ــــــــ[17 - 12 - 2009, 08:41 ص]ـ

ذهب بعض علماء الاجتماع إلى تعريف القومية بأنها: ولاء سياسي بالدرجة الأولى يندرج فيه الفرد تحت الجماعة ملتزما أحكامها العامة، دون نظر إلى العامل الديني، مع أنه عند التحقيق، أعظم العوامل تأثيرا في النفس المجبولة على التأله، لا سيما في أوقات النوازل، فإن دعاة السياسة ولو كانت علمانية ميكيافيللية لا يجدون دعاية لحشد الجماهير أعظم من الدعاية الدينية، والحروب الصليبية القديمة والحديثة من أبرز الأمثلة على ذلك، فالقومية تنحي الولاء الديني، أو تؤخره بعزله في إطار شخصي لا يتعدى حدود الفرد.

وقد أثبتت تجارب أممية كانهيار الخلافة العثمانية أثر الدين في تفكيك الإمبراطوريات وتجميعها، فإن هذه الخلافة العظيمة ما بلغت أوج القوة إلا برسم الخلافة الشرعية فحكمت أجناسا وألسنا إسلامية متنوعة لم تجد غضاضة في الخضوع للأتراك برسم الديانة، على ما كان في الخلافة من دخل عقدي، فإنه بالنظر إلى كليات الشريعة مفسدة صغرى جزئية في مقابل مصلحة عظمى كلية في التئام شمل أمة الإسلام تحت راية واحدة مستندها شرعي بالدرجة الأولى.

فلما دب الضعف العام في أوصال الدولة الإسلامية، وضعف التدين، وانحلت عرى الولاء والبراء في كثير من القلوب، بما فيها قلوب السلاطين المتأخرين من آل عثمان باستثناء السلطان عبد الحميد، رحمه الله، تراجع العامل الديني المؤثر إيجابا في ائتلاف الجماعة، وتحركت النفوس بمقتضى ما ركز فيها من قوى الإحساس والحركة إلى استبدال معاقد ولاء وبراء مستحدثة بمعقد الولاء والبراء الشرعي، فظهرت القوميات المتعددة، وعلى رأسها القومية العربية التي كانت سببا رئيسا في انهيار الخلافة الإسلامية تصديقا منها لوعود بريطانيا بخلافة عربية!، فساهم العرب في تلك الجريمة، وقد كانوا في ذلك الوقت في أضعف حالاتهم المعنوية والمادية في التاريخ الحديث بعد قرون من الجمود والتقليد خبت فيها جذوة الإيمان من القلوب شيئا فشيئا وصاحب ذلك، بمقتضى سنة الرب، جل وعلا، الكونية، في هذه الأمة خصوصا، وفي سائر الأمم عموما، صاحب ذلك انحطاط معرفي في شتى مناحي الحياة، وضعف سياسي وعسكري مكن أوروبا من احتلال كثير من بلاد المسلمين، وكانت جهودهم، مع كونهم علمانيين بالدرجة الأولى، بل هم آنذاك من الأجيال الأولى للعلمانية، كانت جهودهم تصب في قناة مسخ الهوية الإسلامية لأبناء الدولة المحتلة، مع تبجح العلمانية في كل زمان بشعارات الحرية، وأولها وأعظمها: الحرية الدينية لا سيما في إطار التدين الشخصي، فحاربت مظاهر التدين العام في الجماعات بتنحية الشرائع العامة، وحاربت مظاهر التدين الخاص في الأفراد بوسائل الإفساد ترغيبا، ووسائل القهر ترهيبا، وكان لكل بلد مسلم من ذلك نصيب، ولا زالت تلك التركة متوارثة من جيل الاحتلال إلى جيل القيادات العلمانية البديلة التي نجح في تشكيل وجدانها قبل أن يعهد إليها بإدارة شئون البلاد بلسان حال الاستخلاف، وإن لم تنطق به الألسنة صراحة، فإن الغرب لا يعرف إلا لغة المصلحة، فيصطنع القيادات أو يكف بأسه عنها طالما كان العائد منها مجديا فإذا عدمت الفائدة أو قلت، وصارت الزعامة عالة عليه فإنه يسلمها إلى خصومها، والصراعات في الدول النامية لا سيما دول إفريقية السمراء خير شاهد على ذلك، فهي من أعظم البقاع اضطرابا لتدخل المحتل السافر في إدراة شئونها وانتخاب زعمائها.

والشاهد أن القومية العربية لم تجد قاسما مشتركا بينها وبين الخلافة العثمانية التي كانت القومية الطورانية آنذاك قد ظهرت فيها واستشرت في أجيالها الجديدة لا سيما في مؤسسات صنع القرار السياسي والعسكري، فضعفت الرابطة الدينية لحساب الرابطة القومية، فانقطع السلك الذي انتظمت فيه تلك الأمم، فظهرت قوميات فرعونية وبربرية وفينيقية وآشورية وكردية ونوبية .......... إلخ، وظهرت دعاوى تغريبية جعلت البحر الأبيض المتوسط عاملا جغرافيا يصلح لأداء ما كانت تقوم به الرابطة الدينية فدول المتوسط ذات طبيعة جغرافية متقاربة وإرث ثقافي مشترك!، مع أنه كان احتلالا رومانيا لدول جنوب وشرق المتوسط، فلم يجمع جنوب المتوسط وشماله يوما ما تاريخ إنساني مشترك، وإنما كانت العلاقة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير