تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[فائدة عن الكليات المطلقة في الذهن]

ـ[مهاجر]ــــــــ[10 - 12 - 2009, 09:10 ص]ـ

من علماء اللغة من ربط تطور اللغة بالتطور الحضاري للأمة صاحبة اللسان، ففي الأمم ذات المدارك الفكرية المحدودة تقل الكليات الذهنية المطلقة التي تمثل لما تحتها أجناسا جامعة، إذ المعنى الكلي لا يوجد خارج الذهن إلا مقيدا، فيأخذ الذهن من الأفراد خارجه معنى كليا يجمعها يصير بالنسبة إليها: جنسا أعلى تندرج تحته، كجنس الذكورة على سبيل المثال، فإن ذلك معنى كلي مجرد لا يوجد خارج الذهن إلا مقيدا بذكورة زيد وعمرو وبكر ........... إلخ، فإذا استقرأ الذهن الأفراد الجزئية لهذا الكلي خارج الذهن استخلص منها معنى كلي جامع تشترك فيه كل الأفراد وإن اختلفت في ظهوره أو خفائه، أو في قوته أو ضعفه .... إلخ، على حد الاختلاف الواقع في الأسماء المشككة التي مثل لها أهل العلم ببياض الثلج وبياض العاج وبياض الجلد .... إلخ فهي باعتبار معنى البياض الكلي: متواطئة، وباعتبار الاختلاف في شدة البياض: مشككة وعلى كلا الوجهين ثبت في الذهن باستقراء الأفراد خارجه معنى كلي مشترك صح وقوع الشركة فيه فهو يقوم بكل الأفراد قيام الوصف بموصوفه فيمثل قاسما مشتركا بينها، بخلاف الأفراد خارج الذهن فإنه لا يصح وقوع الشركة فيها فبياض جلد زيد لا يمكن أن يشركه فيه عمرو بخلاف بياض الجلد الكلي فإنه يقبل شركة عمرو وزيد ..... إلخ من الأفراد الذين يتحقق فيهم وصف بياض الجلد وإن اختلفت شدته تبعا لاختلاف أعيانهم فيكون مشككا من هذا الوجه كما تقدم.

وإلى طرف من ذلك أشار ابن تيمية، رجمه الله، بقوله:

"المراد بالمشككة ما يتفاضل معانيها في مواردها كلفظ الأبيض الذي يقال على البياض الشديد كبياض الثلج والخفيف كبياض العاج والشديد أولى به.

ومعلوم أن مسمى البياض في اللغة لا يختص بالشديد دون الخفيف فكان اللفظ دالا على ما به الاشتراك وهو المعنى العام الكلي وهو متواطىء بهذا الاعتبار وهو باعتبار التفاضل يسمى مشككا"

"الجواب الصحيح"، (2/ 552، 553).

والشاهد أنه كلما زادت هذه الكليات في لغة ما دل ذلك على ثرائها باعتبارها أصولا جامعة لأفراد يصعب حصرهم خارج الذهن، واللغة العربية، كما يقول بعض أهل العلم، هي أغنى اللغات من جهة المواد الكلية فهي أغنى اللغات أفعالا فضلا عن كونها لغة اشتقاقية، بخلاف اللغات البدائية التي ضرب بعض من صنف في هذا العلم لها مثلا بلغات السكان الأصليين لقارات إفريقية وأمريكا، فلا يكاد يوجد فيها معان كلية جامعة، بل في لغة الهنود الحمر على سبيل المثال يوجد لكل نوع من أشجار البلوط اسم دال عليه باعتبار لونه، فللبلوط الأحمر اسم، وللبلوط الأسود اسم، بخلاف أي لغة متقدمة، فإن أذهان أصحابها تحتمل معنى كلي أعلى هو معنى "الشجرة"، فلا توجد مطلقة إلا في الذهن، على ما تقرر، فتكون بمنزلة الجنس الأعلى، ثم يرد عليها قيد: "البلوط"، فيكون ذلك معنى أخص بمنزلة جنس أدنى، ثم يرد عليها قيد اللون: "الأحمر" فيكون زيادة في التخصيص بمنزلة جنس أدنى، على ما قرره علماء الأصول من كون العموم والخصوص درجات فقد يكون الشيء عاما بالنسبة إلى ما تحته، خاصا يندرج تحت عموم ما فوقه، فهو عام من وجه خاص من وجه آخر، وبتوالي القيود تنتهي تلك المتوالية العقلية إلى شجرة بلوط بعينها تتحقق فيها كل تلك الأوصاف المقيدة، وتزيد عليها أنها ذات وجود عيني خارجي فلا تقبل الشركة فيه إذ لا يتصور بداهة تداخل شجرتي بلوط في عين واحدة خارج الذهن بل لكل شجرة عين مستقلة.

وذلك خلافا للفلاسفة الذبن أثبتوا مثلا كلية خارج الذهن في تحكم ظاهر لا يشهد له عقل أو حس، فلا يمكن لأحد أن يشير إلى عين مستقلة خارج الذهن تدل على معنى مجرد، فتجريد المعاني محله الأذهان لا الأعيان، فلا يتصور قيام معنى بنفسه خارج الذهن مجردا من كل قيد تصح الإشارة الحسية إليه فيقال على سبيل المثال: هذه الشجاعة، أو هذا الكرم ...... إلخ، فالإشارة الحسية لا تكون إلا إلى عين محسوسة بخلاف الإشارة الذهنية بنحو: "أل" العهدية الذهنية في لغة العرب فإنها تكون للمعهودات الذهنية، كما قرر ذلك النحاة، ومحل النزاع مع الفلاسفة: الإشارة إلى هذه الكليات في الخارج لا في الذهن، فإن الكل متفق على

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير