تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[من مادة "خلق"]

ـ[مهاجر]ــــــــ[22 - 12 - 2009, 09:32 ص]ـ

جاء في "لسان العرب":

"والخَلْقُ في كلام العرب ابتِداع الشيء على مِثال لم يُسبق إِليه وكل شيء خلَقه الله فهو مُبْتَدِئه على غير مثال سُبق إِليه (أَلا له الخَلق والأَمر تبارك الله أَحسن الخالقين) قال أَبو بكر بن الأَنباري الخلق في كلام العرب على وجهين أَحدهما الإِنْشاء على مثال أَبْدعَه والآخر التقدير وقال في قوله تعالى: (فتبارك الله أَحسنُ الخالقين) معناه أَحسن المُقدِّرين وكذلك قوله تعالى: (وتَخْلقُون إِفْكاً) أَي تُقدِّرون كذباً وقوله تعالى: (أَنِّي أَخْلُق لكم من الطين) خَلْقه تقديره ولم يرد أَنه يُحدِث معدوماً". اهـ

فالخلق إما أن يطلق على:

التقدير: ومنه قول الشاعر:

ولأَنْتَ تفري ما خَلَقْتَ ******* وبَعْض القوم يَخْلقُ ثم لا يفري

وعليه صح إطلاق لفظ الخلق على البشر من هذا الوجه فهم يقدرون أمرهم على وجه لا يخرج عن تدبير الرب، جل وعلا، الكوني النافذ، فيدبرون أمر الدين بإقامة الشعائر وطلب العلم والقتال ذبا عنه ونشرا له في حال القدرة ........ إلخ من التقديرات التي تتعلق بوسعهم وطاقتهم، ولذلك كان ابتلاؤهم يتحصيل أسبابها، فذلك مما يدخل في حد القدرة البشرية، وهي متعلق التكليف الشرعي، فقد أمر العباد على جهة الإيجاب أو الندب بتحصيل أسباب مراضي الرب، جل وعلا، ولا تكون إلا شرعية محبوبة له، فلم يؤمروا بتدبير أسباب الكون من إجراء للشموس والأجرام في أفلاكها، وتعاقب لليل والنهار .... إلخ من التقديرات الكونية المتعلقة بمشيئة رب البرية، جل وعلا، فذلك مما لا يدخل في حد الوسع الذي تعلق به التكليف كما جاء في التنزيل: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)، فقد ابتلى الرب، جل وعلا، العباد بالإيمان بالقدر الكوني النافذ الذي لا يتعلق باستطاعتهم الشرعية التي يتعلق بها التكليف فليس لهم إلا الإيمان به إذا وقع إذ لا راد لقضاء الرب، جل وعلا، الكوني النافذ، إلا إن كان مما يستعان على رفعه بالأسباب المشهودة من أسباب الدنيا أو الدين من دعاء ونحوه فإنه يدخل آنذاك في مقدور العبد فيتعلق به التكليف الشرعي، وابتلاهم ببذل أسباب القدر الشرعي الحاكم فذلك كما تقدم متعلق التكليف إذ هو مما يقدرون على مباشرة أسبابه، فضابط المسألة الجامع: أن كل ما قدر عليه العبد من أسباب الشرع فعلا أو تركا فهو مخاطب به على حد التكليف: الواجب أو المندوب فعلا، و: المحرم أو المكروه كفا، وكل ما قدر عليه من أسباب الكون فهو على حد الإباحة إلا أن يصيره العبد بالنية مرادا لغيره فيستعين به على فعل واجب أو مندوب فيتعلق به المدح من هذا الوجه لا لذاته، أو على فعل محرم أو مكروه فيتعلق به الذم من هذا الوجه لا لذاته، إذ قد صار وسيلة إلى مقصد فأخذ حكمه، فللوسائل أحكام المقاصد، وكل ما لا يقدر عليه من أحداث الكون من شروق شمس وتعاقب ليل ونهار أو مصيبة موت ...... إلخ فذلك مما لا يتعلق به تكليفه، فلا خلق له فيه، على ما تقدم من تأويل الخلق بالتقدير.

فالعبد يخلق بمعنى أنه يقدر بمباشرة الأسباب تذرعا بها إلى مسبَّباتها سواء أكانت شرعية أم كونية فهو يبذل سبب الطاعة من سعي وأداء للصلوات وإخراج للزكوات ....... إلخ، ليتوصل بذلك إلى رضا الرب، جل وعلا، فهو المسبَّب الأعظم والمراد الأسمى. وهو مع ذلك مفتقر أبدا إلى إعانة الرب، جل وعلا، له ليباشر السبب، فلن يخرج خلقه بتدبير الأسباب عن خلق ربه، جل وعلا، الشارع لهذه الأسباب إن كانت شرعية المكون لها إن كانت كونية، المجري لها وفق سنن محكم، فقد جعل الرب، جل وعلا، في الأسباب الشرعية ما يتوصل به إلى نيل رضاه ومحبته فهي العلة المؤثرة فيها بحصول المسبب من رضا الرب جل وعلا ومحبته فرعا عن مباشرة سببه من مراضيه، عز وجل، التي شرعها على ألسنة رسله عليهم السلام وأنزلها في كتبه، وجعل، تبارك وتعالى، في الأسباب الكونية قوى التأثير في إحداث مسبَّباتها فجعل في النار قوة الإحراق التي بها يقع الفعل فهو فرع عن سببه الكوني، وقل مثل ذلك في الأكل فهو سبب حدوث الشبع بعده فبه تحصل اللذة التي يجدها الآكل عقيبه، فالسنة مطردة في كلا النوعين: الشرعي والكوني فلا يتوصل إلى المراد

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير