تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[عن الجماعة اللغوية]

ـ[مهاجر]ــــــــ[20 - 12 - 2009, 09:38 ص]ـ

الجماعة اللغوية هي جماعة تتكلم بلسان واحد يمثل نوعا من أنواع الحد لها فيجمع اللسان أفرادها ويمنع غيرهم من الدخول فيها فهو نوع من أنواع التقسيم الإنساني يعتمد على فصل اللسان، كما أن الجماعة الدينية، كما ذكر في مواضع أخر، تعتمد على فصل الدين، فالدين معيارها قربا وبعدا، فكل من كان أقرب إلى أصل الديانة، كان أمكن في الجماعة من جهة انطباق التعريف عليه، ولذلك يختلف الولاء والبراء تبعا لبعد وقرب أفراد الجماعة الدينية من تحقيق التعريف الشارح لمعناها، فهو وصف قد علقت عليه أحكام من قبيل الولاية والعداوة، وهو في نفس الوقت وصف تتفاوت فيه الأفراد، بل تتفاوت فيه أحوال المكلف الواحد فتارة يعلو فيقترب من تحقيق معنى الحد، وتارة يدنو فيبتعد فلا يبقى له من شدة الوصف إلا ما يتحقق به أصل الانتساب إلى الجماعة الدينية، وهو ما اصطلح على تسميته في الدراسات الشرعية بـ: مطلق الإيمان الذي يخرج به العبد من حد الكفر إلى حد الإيمان فيحصل به التمايز بين القبيلين، وإن لم يكن صاحبه مثالا صالحا على كل معانيه فقد فاته من معاني الإيمان الكثير، والمثال لا بد أن تتوفر فيه كل صفات المحدود عند من يعرف بالمثال أو يورده مورد البيان لمجمل الحد الشارح تقريبا للأذهان، وذلك لا يكون إلا لمن بلغ درجة: الإيمان المطلق، فذلك مثال واف لكل أركان الحد، وإن لم يوجد في عالم الشهادة إلا نادرا، وعلى نفس المنوال يكون فصل اللغة المميز لأفراد الجماعة اللغوية الواحدة، فلو كان الفصل هو العربية، على سبيل المثال، فاللسان العربي هو المعيار قربا وبعدا، فكل من كان أقرب إلى أصل اللسان، كان أمكن في الجماعة من جهة انطباق التعريف عليه، ولذلك يختلف الولاء والبراء تبعا لبعد وقرب أفراد الجماعة اللغوية من تحقيق التعريف الشارح لمعناها، ولكنه في الغالب يكون برسم التعصب المنهي عنه شرعا فإنه يخرج فئاما من دائرة الموالاة إلى دائرة الحياد وربما المعاداة لكل ما هو غير عربي إن كان اللسان معقد ولاء وبراء كما هو حال كثير من القوميين الذين صيروه أيضا: وصفا قد علقت عليه أحكام الولاية والعداوة القلبية ولكل حده الشارح لجماعته الجامع لأفرادها ولو على مقالة فاسدة تصير رباطا جامعا الطارد لغيرهم ولو كانوا أصح ديانة وعقلا، فذلك التزام حزبي، كما يقول ساسة العصر، فلكل حزب لوائحه التي تفصل أفراده عن بقية أحزاب الجماعة، فـ: "كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ" فكلٌ فَرِح بما وضعه عقله فصيره معيارا يقيس به غيره كمالا بموافقته ونقصانا بمخالفته، ولا بد للإنسان بما أعطي من قوى الإحساس من معيار يزن به غيره، فهو ثمرة تصوراته العلمية التي تغذي قوى قلبه الإرادية حبا للموافق وبغضا للمخالف فـ: "الأرواح جنود مُجَنَّدة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف"، فإن لم يهتد إلى المقياس الصحيح، وهو مقياس النبوات لكونه أحكم المقاييس وأوسعها دائرة فهو لا يعتمد صفات وهبية من قبيل اللسان الذي ينشأ الفرد عليه جبرا بحكم لسان الجماعة التي يعيش فيها ولو لم يكن من جنسها، كما قرر ذلك علماء اللغة في معرض إبطال مقالة من زعم تأثير الجنس على رقي اللغة، وهي كما ذكر في مواضع أخر، دعوى عنصرية تقوم على مبدأ التفاوت بين أفراد النوع الإنساني مع رجوعهم إلى أصل واحد، فالتمايز الكوني بينهم لا يكون إلا بتوقيف من خبر الوحي ليفصل النزاع بين الأمم التي تدعي لنفسها الفضائل وترمي غيرها بالمعايب فكلها دعاوى من جنس: "مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً"، و: شعب الله المختار، والجنس الآري الأرقى، والإنسان الأوروبي الأعلم والأحكم، والفارسي الكسروي، والعربي الأبي ........ إلخ فلكل دعواه، وكلها، كما تقدم، دعاوٍ تعتمد على أوصاف جبلية لا تصلح معيارا للتحسين والتقبيح، فلا تعلق أحكام المدح أو الذم على طول القامة أو زرقة العيون ....... إلخ، فكم من وسيم قد هلك، وكم من دميم قد نجا، وإنما يتفاوت الناس بما قام في قلوبهم من معان مكتسبة تصلح لتعليق أوصاف المدح أو الذم عليها، ولذلك جاء الوحي بأوصاف عامة يستوي المكلفون من جهة القدرة على تحصيلها، فتكليف المرء بأن يكون مؤمنا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير