تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[أسباب التغيير الدلالي]

ـ[خولة قوال]ــــــــ[11 - 12 - 2009, 02:29 م]ـ

:::أسباب التغير الدلالي

سالم الخماش

التغييرات تحدث في اللغة دائما لأنها نظام للتواصل بين الناس مرتبطة بأحوالهم وظروفهم الاجتماعية والثقافية والعقلية، وهذه الأحوال والظروف لا تسير على وتيرة واحدة. ومتى توفرت الأسباب حدث التغيير حسب طرق وأصناف معينة. لذا يجب التفريق بين أسباب التغير الدلالي وطرق التغير الدلالي. فالأسباب هي الظروف المهيئة للتغير بينما الطرق هي الوسائل والخطوط التي يسلكها التغير. وقد ميز العلماء عددا من أسباب التغير الدلالي: [1]

(أ) الأسباب التاريخية: وهي أسباب ناتجة عن تغير المجتمع أو الأشياء أو تغير النظرة إليها، ويمكن تمييز عدد من الأسباب التاريخية:

(1) تغير الشيء وبقاء اللفظ: فالشيء قد يتغير شكله أو وظيفته ولكن اسمه يبقى فيظهر اختلاف بين الشيء الأول الذي وضع له الاسم والشيء في الوقت الحاضر، ومن أمثلة ذلك:

الخاتَم، فهو لفظ مأخوذ من الجذر (ختم) الذي يعنى "طبع" ومنه الخِتام وهو الطِّينُ الذي يُخْتَم به على الكتاب، وسميت الحلقة التي تُلبس في الإصبع خاتما لأنه يطبع بها على الكتاب، ثم اتخذت حلية وزينة ولم يعد لها علاقة بالختم.

الدبابة، الدَّبابةُ: آلةٌ تُتَّخَذُ من جُلودٍ وخَشَبٍ، يدخلُ فيها الرجالُ، ويُقَرِّبُونها من الحِصْنِ المُحاصَر ليَنْقُبُوه، وتَقِيَهُم ما يُرْمَوْنَ به من فوقهم. وفي الوقت الحاضر تغير شكل هذه الآلة وتطورت وأصبحت تُصنع من الفولاذ وتسير على جنازير وزُوّدت بمختلف الأسلحة النارية، ولم تعد وظيفتها تقريب الجنود من الحصون وإنما نراها تشارك في المعارك البرية.

الزند، خشبتان يستقدح بهما، ثم تغير الزند وأصبح يؤخذ من حجر الصوان والمرو، ثم بعد ذلك أصبح آلة قادحة تستخدم الكيروسين أو الغاز في انتاج النار.

البندق، قوس توضع بها كرات صغيرة يرمى بها، والآن تطلق الكلمة على سلاح ناري طاقة الدفع فيه البارود.

(2) تغير موقفنا من الشيء: إذا كان المعنى هو ما نملكه من أفكار وتصورات عن المشار إليه، فمتى تغيرت هذه الأفكار والمواقف تبعها تغير المعنى، من ذلك مثلا:

الخمر: كانت في الجاهلية رمزا للكرم والضيافة يتفاخر الناس باقتنائها ودفع المال لشراء دنانها، والشعراء يصفون آنيتها ولون شرابها، ولما جاء الإسلام حرم تعاطيها وأصبحت أم الخبائث، ومن شربها لحقه العار ووصف بالفسق وأصبح من الفجّار.

الثأر: كان أمر الثأر كبيرا لا يهنأ صاحبه حتى يستوفيه، ولكن بعد نشوء الحكومات ووجود القضاء لفض الخلافات والنزاعات، أوكل أمر الجناة والقتلة إلى سلطات قضائية ومؤسسات مدنية تتكفل بالقصاص واستيفاء الحقوق.

الميسر: وهو القمار، كان حلالا في الجاهلية وبعد أن حرمه الإسلام تغير موقف الناس منه ومن ثمّ تغير معناه، وكذلك الربا والقمار والأنصاب والأزلام.

(3) تغير معرفتنا بالشيء: ما نملكه من معرفة عن الشيء يسهم في بلورة معناه في أذهاننا، ومتى تطورت هذه المعرفة تبعها تطور وتغير في معنى الشيء، ومن أمثلة ذلك:

الذَّرّة: كان القدماء يظنون أنها أصغر جزء للمادة، لذلك يطلق عليها اليونان لفظ atom أي الجزء الذي لا يتجزأ، ولكن علم الفيزياء الحديث كشف أن هناك أجزاء أصغر من الذرة هي الإلكترونات والبروتونات والنيوترونات.

الشمس: كان القدماء يظنون أنها اعظم جرم مضيء في الكون، وبعضهم كان يعبدها ظانا أنها إله؛ لذا كان يسمونها الإلهة، ولكن علم الفلك الحديث طور معرفتنا بالشمس وبيّن أنها نجم بجانب نجوم أخرى تفوقها عظما في كون واسع.

القمر: كان هناك من يعتقد أنه إله، وكان قوم سبأ يعبدونه ويسجدون له. وعلم الفلك الحديث يبيّن لنا أنه ما هو إلا كويكب صغير يدور حول الأرض وسطحه خال من الشجر والماء والحياة.

(ب) الأسباب الاجتماعية والثقافية: المجتمعات الإنساية دائما في حالة تطور وتغير بسبب الاحتكاك بشعوب أخرى عن طريق الغزو العسكري أو الثقافي، وكذلك بسبب ما يجد من ثقافات وأفكار وما ينتشر من أديان ومذاهب وفلسفات، وقد تعرضت مفردات العربية إلى تغييرات كثيرة وواسعة بسبب مجيء الإسلام بدين جديد وثقافة دينية ودنيوية تختلف عما عرفوه في الجاهلية، يقول ابن فارس:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير