تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فالحيوان يرى الطعام لأول مرة فيباشره بما ركب فيه من قوة الشهوة، فإذا حصلت له اللذة عقيب تناوله، اختزن عقله، بقوته التخييلية، الصورة الحسية للمطعوم والصورة العلمية للذة التي أعقبته، فإذا قدم له مرة أخرى أقبل عليه، فيكون فعله رد فعل للمؤثر الخارجي، وتلك هي النظرية التي اعتمدها منظرو الشيوعية في تجريد الإنسان من ملكاته الإنسانية وتعظيم الملكات الحيوانية فيه، فصارت هاتان القوتان هما الدافع الأول له في كل فعل يباشره فتصوراته وهمومه لا تتعدى بطنه وفرجه!، فيعمل ليأكل وينكح، بل إن بنيته تتغير تبعا لتغير نمطه الغذائي، فيتطور من كائن بدائي يمشي على أربع إلى كائن مستو يمشي على قدمين استجابة لتغير طريقة تناوله للغذاء فقد صار يتناوله من أعالي الأشجار فاستقام بدنه تبعا لذلك بعد أن كان يتناوله من الأرض كما زعم ذلك "إنجلز"، وهو ما قرره "بافلوف" صاحب نظرية "الأفعال المنعكسة الشرطية"، فإنه أجرى، كما يقول بعض الفضلاء المعاصرين ممن صنف في علم اللغة، أجرى في معرض بحثه للعلاقة بين الرمز والمرموز إليه أو اللفظ والشيء الدال عليه أبحاثا على كلبه، فكان يستعمل الصفير وهو رمز صوتي أثناء تقديم الطعام له مع جملة من القرائن المحتفة كشكل الطعام ورائحته وطعمه ........ إلخ، فانطبع ذلك الرمز في قوة الكلب التخييلية بعد أن باشره بقوته الحسية السمعية مرات متعددة، فلما أطلق الصفير بعد استقرار تلك القرينة في ذهن الكلب، بادر الكلب إلى طلب الطعام وظهرت عليه آثار ذلك من سيلان لعاب ونحوه، فاستجابته تتوقف عند هذا الحد، فلا يمكنه على سبيل المثال أن يدرك أن في الطعام سما ولو رأى صاحبه يضعه له، لأنه ليست لديه قوة عقلية أو فكرية يدرك بها ذلك، فغايته أن يعتقد أن هذا السم من جملة الطعام، وقل مثل ذلك في المنكح، فإن كثيرا من الحيوانات لا تعرف النظام الأسري، ولا تعرف أحكام الزواج وآداب النكاح .... إلخ، فذلك من البداهة بمكان، إذ تلك أحكام دقيقة لا يدركها إلا عقل قد ركبت فيه قوى عقلية إضافية تجعله أهلا للتكليف بتلك الأحكام سواء أكان التكليف شرعيا وهو أشرف أنواع التكليف أم وضعيا أم عرفيا تواتر العمل به في الجماعة البشرية، فإذا حصل الاتصال بين الذكر والأنثى فإنه لا يهدف إلى أكثر من قضاء الوطر دون نظر إلى مفهوم الأسرة الذي يمتاز به الإنسان العاقل الناطق، فيحدث الافتراق بعد ذلك وتتولى الأم رعاية الصغار، فإذا باشر الحيوان بقواه الحسية لذة المنكح فإن عقله يختزن صورتها العلمية بقوته التخييلية فإذا عرضت له مرة أخرى فإنه يباشرها دون التفات لأي مانع شرعي أو أخلاقي، إذ ليس أهلا للتكليف لتصح مخاطبته بذلك، فهو يباشر ذلك كأي عملية بيولوجية، فلا فرقان عنده بين الطعام والشراب والإخراج والنكاح ......... إلخ من الوظائف الحيوية، إذ ليست لديه الملكات والقوى العقلية التي يميز بها بين أجناس الأفعال فكلها عنده على حد سواء باستثناء بعض الحيوانات التي فاقت كثيرا من بني البشر في العصر الحاضر فإنها تتستر حال قضاء وطرها بمقتضى ما ركز الرب، جل وعلا، فيها من الفطرة الصحيحة وإن لم ترق إلى درجة التكليف، ولكنها بتلك الفطرة قد صارت أحسن حالا من كثير من المكلفين!.

يقول صاحب رسالة "العلمانية" حفظه الله وسدده وأتم شفاءه:

"والباحث الذي استطاع أن يسد هذه الثغرة، (وهي الميكانزم العصبي أو المادي الذي يحكم ردود أفعال الإنسان)، هو "بافلوف" بنظريته عن "الأفعال المنعكسة الشرطية". والمبدأ الأساسي الذي تقوم عليه المدرسة السلوكية هو "حيوانية الإنسان وماديته" وذلك نتيجة لإيمانها الأعمى بنظرية داروين وهو إيمان يبدو جلياً سواء في كتابات بافلوف أو في تجاربه العملية، فقد كانت إحدى المشاكل الكبرى التي يتوهم بافلوف أنه وضع لها العلاج الناجح هي مشكلة "نشأة الوعي وتطوره في النوع الإنساني منذ أن كان قرداً إلى أن أصبح إنساناً".

ويقول، (أي: هارى ويلز)، أيضا:

"اكتسب عالم الحيوان في مسيرة تطوره حتى بلغ مرحلة الإنسان إضافة فريدة مكملة لميكانزم النشاط العصبي". ويعني بذلك النظام الإشاري، (كنظام الصفير الذي استعمله مع كلبه).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير