تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

جواز الإشارة إليها في الذهن بأي أداة وضعت لذلك كـ: "أل" العهدية في لغة العرب كما سبقت الإشارة إلى ذلك.

وإلى طرف من ذلك أشار ابن تيمية، رحمه الله، في معرض نقده لمقالة المتفلسفة في إثبات المثل الكلية خارج الذهن، بقوله:

"فإن هؤلاء المتفلسفة كثيرا ما يغلطون فيظنون ما هو موجود في الأذهان موجودا في الخارج مثل غلط أولهم فيثاغورس وشيعته في الأعداد المقارنة المطلقة المجردة حيث ظنوا أنها تكون في الخارج مجردة عن المعدودات والمقدورات ومثل غلط أفلاطون وشيعته في الطبائع الكلية كالإنسان الكلي والحيوان الكلي حيث ظنوا أنها تكون في الخارج كليات مجردة عن الأعيان أزلية أبدية لم تزل ولا تزال ". اهـ

"الصفدية"، (2/ 279).

فلا يوجد عدد مطلق خارج الذهن تصح الإشارة إليه فيقال: هذا واحد أو اثتنان أو ثلاثة، بل لا بد من قيد تصح به الإشارة الحسية فيقال: هذا رجل واحد، وهذان رجلان اثنان وهؤلاء ثلاثة رجال ..... إلخ.

وتلك من المواضع التي تظهر فيها مخالفة الفلاسفة لبدائه المعقول والمنطوق مع زعمهم تحري الدقة المتناهية في معرفة حقائق الأشياء، وهو أمر كما يقول بعض الفضلاء المعاصرين، قد أثبت العلم التجريبي تعذره.

يقول ابن تيمية، رحمه الله، في معرض نقده لكلام من جوز وقوع هذه الكليات خارج الذهن:

"والماهيات من حيث هي هي شيء يقدر في الأذهان لا في الأعيان، وهكذا تقدير إيمان لا يتصف به مؤمن، بل هو مجرد عن كل قيد بل ما ثم إيمان في الخارج إلا مع المؤمنين، كما ما ثم إنسانية في الخارج إلا ما اتصف بها الإنسان فكل إنسان له إنسانية تخصه وكل مؤمن له إيمان يخصه، فإنسانية زيد تشبه إنسانية عمرو، وليست هي هي، والاشتراك إنما هو في أمر كلي مطلق يكون في الذهن ولا وجود له في الخارج إلا في ضمن أفراده، فإذا قيل إيمان زيد مثل إيمان عمرو، فإيمان كل واحد يخصه معين، وذلك الإيمان يقبل الزيادة، والنقصان، ومن نفى التفاضل إنما يتصور في نفسه إيمانا مطلقا كما يتصور إنسانا مطلقا ووجودا مطلقا عن جميع الصفات المعينة له، ثم يظن أن هذا هو الإيمان الموجود في الناس، وذلك لا يقبل التفاضل بل لا يقبل في نفسه التعدد إذ هو تصور معين قائم في نفس متصوره". اهـ

نقلا عن: "شرح العقيدة السفارينية"، (1/ 368، 369)

فمن نفى تفاضل الإيمان، هو أمر يرده النقل والعقل والحس والفطرة، فرض وجود إيمان مطلق في الخارج يوجد في الناس على حد سواء، وذلك إنما يصح تصوره في الذهن، وأما خارجه فليس ثم إلا إيمان زيد وإيمان عمرو ....... إلخ على ما تقدم بيانه، وهو بداهة يتفاوت بتفاوت أعيان من قام بهم فليس إيمان الصديق، رضي الله عنه، كإيمان آحاد المؤمنين بداهة، وليس إيمان الطائع كإيمان العاصي، فلا يسوي بينهما إلا مكابر يجحد العلوم الضروية.

ويزداد الأمر دقة إذا خرج البحث في الكليات عن دائرة الشهادة إلى دائرة الغيب، فإن إدراك الحقائق الغيبية على ما هي عليه في نفس الأمر: متعذر لتعذره في عالم الشهادة المحسوس، فيتعذر في عالم الغيب من باب أولى، لا سيما في باب الإلهيات، فغاية الأمر أن يدرك العقل الكليات المعنوية الجامعة التي لا يلزم من إثباتها وقوع الشركة فيها خارج الذهن، بل لا توجد في الخارج إلا مقيدة بأعيان قائمة بها قيام الوصف بموصوفه، كما تقدم، فتكون حقيقتها من حقيقة الذات المتصفة بها، فحقيقة صفات الرب، جل وعلا، من حقيقة ذاته القدسية، فلا تدرك العقول كنه ذاته فكذلك لا تدرك كنه صفاته القائمة بها على الوجه اللائق بجلاله، وإن كانت تدرك معنى الذات الكلي ومعاني الصفات الكلية فلا إشكال في ذلك إذ لا يلزم من إثبات تلك الكليات الذهنية المجردة إثبات حقائق مدركة بالحس خارج الذهن، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، فعمل العقل في هذا الباب الجليل: إدراك المعاني دون الحقائق التي اختص الرب، جل وعلا، نفسه بعلمها، فإذا شاء لأهل دار السعادة أن يطلعوا على حقيقتها دون إحاطة بها على حد قوله تعالى: (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)، فلا تدركه إحاطة وإن كانت تراه رؤية التنعم في دار المقامة، إذا شاء لهم ذلك امتن عليهم برؤية وجهه الكريم، فكان ذلك تأويل ما صدقوا وآمنوا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير