ديني كان سببا رئيسا في قيام الثورة البلجيكية عام 1830 م، فثار الكاثوليك من أهل الجنوب الفقير وهم على مذهب الدولة الفرنسية فلسانهم لسانها فرعا عن كون مذهبهم العقدي مذهبها، على البروتستانت من أهل الشمال الغني، وهم، أيضا، على مذهب الدولة الهولندية فلسانهم لسانها فرعا عن كون مذهبهم العقدي مذهبها، ولا زالت الاضطرابات قائمة إلى اليوم ومن أبرز صورها الوضع الغريب للعاصمة بروكسل التي تقع جغرافيا في حدود قومية الفلاندر الهولندية، وثقافيا في حدود قومية الوالون الفرنسية فـ: 80 % من سكانها يتحدثون الفرنسية!.
والأمر يشبه إلى حد كبير التنوع الطائفي في لبنان، مع كونه دينيا مذهبيا فقط، وليس لسانيا، وذلك شاهد آخر على كون العامل الديني هو الأبرز في تكوين وجدان الأفراد وإن جمعتهم بقعة مكانية واحدة ولسان واحد.
والشاهد أن العامل اللغوي لا سيما في الدول الإسلامية عامل مؤثر في نمو الجماعة الإنسانية، ولكنه لا يعدل العامل الديني لا سيما في أرض الشرق: أرض النبوات، ولعل واقع العلاقة المضطربة بين المسلمين والنصارى في مصر، وهو أمر برز في السنوات الأخيرة في ظل ضعف الدولة المركزية، لعله خير شاهد على ذلك فإن الصراع لم يتصاعد إلا بإزكاء الكنيسة للعامل الديني رغبة من قياداتها المتطرفة في عزل الطائفة النصرانية عن الجماعة المسلمة لضمان عدم ذوبانها بعد اعتناق أعداد كبيرة من النصارى الدين الإسلامي وهو أمر باعتراف قيادات الكنيسة ينذر بتلاشي الدين الكنسي من أرض مصر المسلمة، وذلك أمر يثلج صدور الموحدين ويزكي نار الحقد في صدور عباد الصليب ويبرر حملتهم الإعلامية المسعورة على الدين الإسلامي وثوابته في ظل تخاذل القيادة السياسية التي ترزح تحت ضغط القوى الخارجية المؤثرة فضلا عن أعبائها الداخلية التي لا تنتهي، و: (اللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ).
فلم تجد قيادات الكنيسة بدا من استفزاز المسلمين بما نراه اليوم من استعلان، ولو على رسم العناد لا التدين، بشعار دين النصارى من صلبان وأناشيد تشبه أناشيد الكورال في معهد الموسيقى العربية! يردده أبناء الطائفة بطريقة مستفزة، مثيرة للضحك أحيانا، وتجاوزات مفتعلة في التجمعات العامة من أصوات عالية وتبرج صارخ .... إلخ، مع كون اللسان واحدا، فالعامل اللساني مع أهميته في تمييز الجماعة لم يرق إلى مرتبة المفاصلة بين أبناء ملتين يتكلمون نفس اللغة بل نفس اللهجة.
على أن هذا العامل اللغوي يكون في كثير من الأحيان: صدى للعامل الديني، وتأمل مدى اعتناء الأقليات النصرانية في العالم الإسلامي باللغة العربية، فهو اعتناء ضئيل يفرضه النظام العام للدولة فلن يتم التواصل بينهم وبين المؤسسات الرسمية: السياسية والتعليمية ......... إلخ إلا بإتقان اللغة العربية فضلا عن اضطرار الكنيسة إلى تعريب مقرراتها الدينية لئلا تفقد التواصل مع أتباعها، فهو منحى لغوي ذو بعد ديني في حقيقته.
فالدين قد يضطر الإنسان أحيانا إلى تغيير لغته كما وقع للمصريين بعد الفتح الإسلامي الراشد، في حين أن اللغة لا تضطر صاحبها إلى تغيير دينه فليس شرطا لتعلم لغة أخرى أن ينتحل المتعلم لها ديانة من يتكلم بها.
والله أعلى وأعلم.
ـ[المزمجرّ]ــــــــ[23 - 12 - 2009, 01:29 ص]ـ
السلام عليكم
عزيزي مهاجر
كلامك من أطيب وأوضح ما قرأت في موضوع القومية واللغة والأعراق إلخ
هل تسمح ببعض الأسئلة؟
1 - ما هو الوطن؟ هل هو الأرض التي يسكنها من هم علي ديني أم الأرض التي يسكنها من هم على لغتي؟ فلو أخذنا بالأول فإن العالم كله فيه مسلمون وهناك دول كالهند فيها ملايين المسلمين لكن لا نقول إنها دولة إسلامية، بل إن أوروبا يكثر فيها المسلمون متفرقين فهل أعتبرها من وطني الذي أدافع عنه وأتخيله وأرسم خريطته إلخ؟ ولو قلنا بالآخر لصار الوطن العربي فقط أي من المحيط إلى الخليج هو أرضي الذي أهتم بتطويرها ولا أشعر بالغربة لو كنت في أي بقعة منها إلخ. ... فمن أنا؟ هل أنا مسلم من دولة إسلاميا أم عربي من دولة عربيا؟ هذا أصعب سؤال يحيرني فلا أعرف هويتي وطني. أم أن كلمة وطن كلمة عنصرية أصلا؟! فالواجب الاهتمام بالإنسان أيا كان وتطويره ونصحه وهدايته إلخ؟ إذن لا وطن؟ الوطنية والقومية ليستا من الدين ... ما رأيك؟ والآن لو أردنا توحيد الدول فأي الدول نوحد فكل الدول تقريبا فيها من هم على دين مختلف (كمصر ولبنان) أو لغة مختلفة (كالجزائر والعراق) فكيف التعامل مع هذا؟ وماذا عن تحرير الأحواز والإسكندرونة إلخ؟ أليست أرضين محتلة هي الأخرى؟
2 - في إدارة الدولة أليست اللغة أسهل للقيادة والتعامل والتنظيم؟ هل نعتقد بكون كل سكان كل لغة مكونين دولة واحدة؟ والعالم فيه أكثر من 6000 لغة، فالنموذجي أن يكون هناك بهذا العدد من الدول. لكن نرى أن دول العالم المستقلة 194 فقط!
3 - إذا كان الدين هو الأساس فعلينا تقسيم العالم حسب دينها فنقول العالم الإسلامي والعالم المسيحي/النصراني والعالم البوذي والعالم الهندوسي إلخ بعدد الأديان المعروفة وغير المعروفة ...
أرجو الرد على الأسئلة بالتفصيل وشكرا
¥