ـ[البلاغة الايجاز]ــــــــ[31 - 12 - 2009, 10:19 م]ـ
[نشأة اللغة العربية]
هناك نظريات متعددة حول نشأة اللغة العربية، أشهرها أربع نظريات:
(1) نظرية التوقيف:
قال بها أفلاطون وأبو علي الفارسي، وابن حزم، وابن قدامة, وأبو الحسن الأشعري, والآمدي, وابن فارس، ومعظم رجال الدين، ويستدلون بقوله تعالى:
{وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} (البقرة: 31).
وبما جاء في سفر التكوين: "وجبل الربّ الإله كل حيوانات البرية، وكل طيور السماء، فأحضرها إلى آدم ليرى ماذا يدعوها، فكل ما دعا به آدم من ذات نفس حيّة فهو اسمها. فدعا آدم بأسماء جميع البهائم وطيور السماء، وجميع حيوانات البرّيّة" (الإصحاح الثاني عشر: آية 19، 20).
(2) نظرية المواضعة والاصطلاح:
قال بها سقراط، وديمقريط، وآدم سميث، ومن العرب أبو الحسن البصري، وأبو إسحاق الإسفراييني، والسيوطي، وابن خلدون.
(3) نظرية المحاكاة:
تعني أن يحاكي الإنسان ما حوله في الطبيعة من الظواهر, وأول من أشار إلى ذلك ابن جِنِّي في الخصائص، ثم قال: "وهذا عندي وجه صالح ومذهب متقبل" [4]. ولكنه لم يستقر على هذا الرأي أيضًا بعد أن ناقش الرأيين السابقين. والأسلم ألاّ ننسب الرجل إلى مذهب بعينه من المذاهب الثلاثة.
(4) نظرية الغريزة:
يريدون أن الله زوّد الإنسان بآلة الكلام، وبجهاز للنطق، فهو حتمًا سينطق شاء أم أبى.
والحديث في أصل نشأة اللغة – كما يرى الإمام الغزالي - فضولٌ لا أصل له، وكأنه يدعو إلى الانصراف عنه إلى معالجة اللغة بوصفها حقيقة واقعية في وضعها الراهن, وهذا التوجُّه من الإمام الغزالي ينسجم تمامًا مع توجه علم اللغة المعاصر الذي أخرج هذه القضية من نطاق مباحث علم اللغة.
وقد تشعبت مجموعة اللغات السامية من أصل واحد؛ ولما خرج الساميون من مهدهم لتكاثر عددهم اختلفت لغتهم الأولى بالاشتقاق والاختلاط، وزاد هذا الاختلاف انقطاع الصلة وتأثير البيئة وتراخي الزمن حتى أصبحت كل لهجة منها لغة مستقلة.
ويقال: إن أحبار اليهود هم أول من فطن إلى ما بين اللغات السامية من علاقة وتشابه في أثناء القرون الوسطى، ولكن علماء المشرقيات من الأوربيين هم الذين أثبتوا هذه العلاقة بالنصوص حتى جعلوها حقيقة علمية لا إبهام فيها ولا شك.
والعلماء يردّون اللغات السامية إلى الآرامية والكنعانية والعربية، كما يردّون اللغات الآرية إلى اللاتينية واليونانية والسنسكريتية. فالآرامية أصل الكلدانية والآشورية والسريانية، والكنعانية مصدر العبرانية والفينيقية، والعربية تشمل المضَرية الفصحى ولهجات مختلفة تكلمتها قبائل اليمن والحبشة. والراجح في الرأي أن العربية أقرب المصادر الثلاثة إلى اللغة الأم؛ لأنها بانعزالها عن العالم سلمت مما أصاب غيرها من التطور والتغير تبعًا لأحوال العمران.
وليس في مقدور الباحث اليوم أن يكشف عن أطوار النشأة الأولى للغة العربية؛ لأن التاريخ لم يسايرها إلا وهي في وفرة الشباب والنماء، والنصوص الحجرية التي أخرجت من بطون الجزيرة لا تزال لندرتها قليلة الغناء؛ وحدوث هذه الأطوار التي أتت على اللغة فوحّدت لهجاتها، وهذّبت كلماتها معلوم بأدلة العقل والنقل، فإن العرب كانوا أميين لا تربطهم تجارة ولا إمارة ولا دين، فكان من الطبيعي أن ينشأ من ذلك ومن اختلاف الوضع والارتجال، ومن كثرة الحل والترحال، وتأثير الخلطة والاعتزال، اضطراب في اللغة كالترادف، واختلاف اللهجات في الإبدال والإعلال والبناء والإعراب، وهَنات المنطق
كعجعجة [1] قُضاعة،
وطمطمانية [2] حِمْير،
وفحفحة [3] هذيل،
وعنعنة [4] تميم،
وكشكشة [5] أسد،
وقطْعةِ [6] طيئ،
وغير ذلك مما باعد بين الألسنة، وأوشك أن يقسم اللغة إلى لغات لا يتفاهم أهلها ولا يتقارب أصلها [7].
ولغات العرب على تعددها واختلافها إنما ترجع إلى لغتين أصليتين: لغة الشمال ولغة الجنوب، وبين اللغتين بونٌ بعيد في الإعراب والضمائر وأحوال الاشتقاق والتصريف، حتى قال أبو عمرو بن العلاء: "ما لسان حمير بلساننا ولا لغتهم بلغتنا".
¥