[حين خرج الأصبع الكبير من ثقب الجورب]
ـ[أمة الله الواحد]ــــــــ[05 - 02 - 2009, 02:52 م]ـ
أنا أصبع كبير في قدم مؤمن، لا أعلم لماذا أطلقوا عليّ اسم الإبهام ولا لماذا استحالت حياتي قصة ً تطالعونها، كل ما أعلمه أني سأقص عليكم قصة حياة أصبع حظى بقدر من الحرية أضحك الآخرين عليه.
بداية ً .. لا أذكر يوما أني تمردت على ترتيبي بين إخواني بل على العكس، لقد تمتعت بكوني أكبرهم وخاصة ً حين يلعب صاحبنا الكرة، فهو حين يلعبها لا يفعل ذلك إلا حافيا، وكم أنتشي بإحساس الهواء المنعش وهو يلامسني، وأضحك كثيرا عندما يُسند إلى ظهري الكرة ويرفعها ويُهبطها عدة مرات معتمدا كليا ً عليّ.
وأسعد عندما يضعني فوق أخي السبابة ثم يُثني بطني عليه فتصدر عنا فرقعة تُريح ظهورنا جميعا.
كذلك أبتهج حين يضعنا يوميا في ماء دافئ فيه مذاق الملح، فأعلو وأهبط وأبتعد عن جاري متمتعا بفترة سباحة قد تستغرق ثلث ساعة ثم أحتضن منشفة وأمسح وجهي فيها وأتمنى لو يخلد صاحبنا إلى النوم من فوره.
دعوني أخبركم عن سبب هذه السباحة اليومية، فصاحبنا يعمل مندوبا للمبيعات، ويجوب بنا أرجاء المعمورة، متقاضيا راتبا هزيلا لكنه يحمد ربه على فضله وبسبب ضآلة رزقه فهو يحرم نفسه من أشياء يراها رفاهيات، فلا يشتري فاكهة إلا كل عدة شهور مرة ولا يأكل اللحم إلا في العيد حين يأتي إلينا جزء من ثلث الهدية، وربما كان جزء من الصدقة فالله أعلم بنوايا عباده ولكن على أي حال ندعو للمُضحي بسعة الرزق، فكم من أناس يظنهم الجاهل من التعفف أغنياء ولكنهم في أمس الحاجة إلى بصيرة الأغنياء وتفتيشهم عنّا حين لا يبصرنا الآخرون فمهمة البحث عنّا ليست باليسيرة ربما لأن أجرها عند الله ليس بالقليل.
وبطبيعة الحال صاحبنا أعزب ولا أظن أنه ينوي الزواج قريبا أو بعيدا فالأسعار بلغت النجوم والراتب يعانق أديم الأرض ولكنّا ندعو له كلما صعد بنا درجا أو مشى بنا ميلا فهو في سبيل الله يسعى لكفاية نفسه ولا يسأل الناس أعطوه أو منعوه.
لدينا جوربان، يغسل كل واحد منهما مرة أسبوعيا ويُبدلهما منتصف ونهاية الأسبوع وقد نهشت الثقوب حوائطهما عدة مرات وحاكي صاحبنا الثقوب بالخيّاط وكان الحظ في كل مرة يضرب بالثقب بعيدا عني، فتارة بجوار السبابة وأخرى بجوار الكعب وثالثة يضربها عند الكاحل، إلى أن جاء اليوم الذي ضربها فيه جوار رأسي، وكالعادة حاكي الثقب ولكنه لم يضغط جيدا بالخيّاط، فتخلل أنسجة الخيط فراغ كان هو القاتل.
ارتدى صاحبنا الجورب بعد أن توضأ ونزل من بيته يسعى على رزقه فدخل وخرج محلات وصعد وهبط درجات وأتى وغادر طرقات، ثم حان موعد صلاة الظهرفنظر يمينا ويسارا فلم يلمح مسجدا قريبا فافترش ورقة صحيفة وكبّر للصلاة وأنا أشعر أن هواء يدخل إلى رأسي وعيني فأقول لنفسي هل سيلعب الآن كرة قدم؟،لا، إننا نصلي فكيف نلعب؟ فمالي أحس إذن بنفس إحساس الهواء حين نلعب؟
فرغ من الصلاة والهواء يتدافع إلى وجهي أكثر فأكثر، لا مفر لابد أن أعرف السبب، ربما يستعد لخلع الجورب ثم اللعب، كم أعشق الكرة، لا لا، لا أستطيع الصبر سأطل برأسي من بين خيوط الثقب، آه،أخيرا خرجت وليتني لم أخرج فلم أكمل دقيقتين وسمعت ضحكات من هناوهناك وشعرت بقطرة ماء فوق رأسي، هل هي حبة عرقه، أم دمعة عينه؟ لا أعلم كل ما أعلمه أني لم أقصد جرحه ولا ألوم نفسي ولا أعفيها، فماذا تقولون أنتم عني؟
ـ[رسالة الغفران]ــــــــ[06 - 02 - 2009, 05:29 ص]ـ
قصة جميلة ...
صورت المشهد تصويرا رائعاً ...
وأقول عنك أيها اللإصبع: لولا سذاجتك وطفولة نيتك لما دفعك الفضول لمعرفة سبب الهواء، ولكن لا تثريب عليك، الكثير منا لديه أكثر من فضولك ...
شكرا لصاحبة القصة
ـ[أمة الله الواحد]ــــــــ[06 - 02 - 2009, 11:31 م]ـ
رسالة الغفران ,
أشكر لك تفضلك بالقراءة، وأشكرك على التعليق الطيب المُجيب على سؤال بطل القصة.
ـ[صبري الصبري]ــــــــ[08 - 02 - 2009, 12:19 م]ـ
أبدعت نور القمر في تصوير قصة ذاك الإصبع مع صاحبه
فمن خلاله إنطلق إبداعها لتصوير قصتها القصيرة الجميلة التي امتزج فيها
ما للقصة القصيرة من ومضات ولمحات
أحسنت جدا يا نور القمر وأحسب أن ذاك الإصبع سيحزن إن اشترى صاحبه جوربا جديدا لأنه لن يرى به نافذه تجعله ينظر من خلالها إلى ما يعانيه صاحبه
وربما كان عقابه إن أطل برأسه من جديد أن يجور عليه وهو يقلم أظافره
فربما تخلص من فضوله ورضي بحياته التي ارتضاها صاحبه
شكرا لك نور القمر
صبري الصبري
ـ[أمة الله الواحد]ــــــــ[09 - 02 - 2009, 10:47 م]ـ
ألمس في ردك أخي الكريم صبري تحليلا نفسيا لبطل القصة، ووقفك على الصراع النفسي الداخلي له، ثم اعطاءك توقعا على المدى البعيد لما يُمكن أن يفكر فيه الإصبع.
مداخلتك أوقفتني على رأي إنسان يقرأ ما خلف سطر الحدث المعروض، ويتأمل فيما هو وراءه من هدف ويتفاعل مع مضمون القصة، وهذا أكبر ما يتمناه القاص في وجهة نظري.
صبري الصبري، أشكرك على حضورك الذي أضاف للقصة.