تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لَيلٌ أزرَقْ (التتمّة)

ـ[نُورُ الدِّين ِ مَحْمُود]ــــــــ[24 - 02 - 2009, 01:49 ص]ـ

لَيلٌ أزرَقْ (التتمّة)

النجمة السهيلية تُحاصَر, في مشهدٍ قلما يتكررإلا في سماء الكواكب الأخرى ذات الطابع الثلجي الكثيف.

صعد إلى قمة بيته الذي يشبه كوخاً عراقياً قديماً

كان مُحاطاً بأجزاء من حديقة بابل المعلقة.

لم يجد نجمته!!! أخذ يُحملق في السماء باحثاً عنها في الفضاء الواسع.

هذا الذي كان منذ قليل باسم الوجه, فرح القلب, طائر الجسد, الآن صار وجهه كوجه الشريد, ووجه الغريب المُنهك المُتعب في وطن ثقيل الوجوه والمعالم.

النجمة من خلف حصارها تحاول الهروب لموقعٍ آخر ,

تحاول خداع تلك السحابة التي لا تمر, تلك الخارجة عن مدارها, تحاول النجمة على الأقل إخبار عاشقها عن موقعها!!!

إعلامه بالحقيقة, وأنها ما خانته ولم تتخل عنه.

ظل بضع ساعات على هذه الحال ...

في ارتقاب شديد الوطأة عليه, أمانيه أنسته وقته ودفعته لاستهلاكه.

دون وضع مبررات لهذا التيه المكاني , المحُلى بالغياب العقلي.

بدأ الجو يزداد برودة, وبدأ جسده المُعذب معه يوقظه من دوامات الخيال المُنظّم.

أخيراً عاد لقواه الواقعية, وبدأ في استذكار الأشياء.

تذكر أنه لم يُكمل رسالته التي ترك معالمها بداخل غرفته, أخرج قلمه الذي يصطحبه دوماً من جيب بنطاله.

تواجهه الآن مشكلتان, ورقٌ مبتلٌ لأنه جلس على قطعة خشبية مُشبّعة بالماء أذابت الورق, وفي نفس الوقت لم يُبدِ رغبة في ترك هذا المكان, فضوء القمر يستدعيه للبقاء, يستدعيه لتبادل النقاش حول قضايا كونية عدة.

فكر قليلاً, فوجد أن تلك فرصته ليشتكي من تلك النجمة التي أهمتله وخانت وعودها معه, كما أنه يرى أن ضوء القمر خيرٌ من ألف مصباح إنساني, فأجاب بالبقاء.

هدأ قليلاً, ما زالت رغبته في الكتابة تلح على أنامله وعقله.

تذكر أن بجيب معطفه الداخلي قصاقيص ورق, قطع من كرتونة للحلوى قد احتفظ بها للطوارىء كعادته.

ابتسم وابتسم وابتسم لعثوره على هذا

الكنز الثمين في ظل تلك الظروف العاصفة, بهذة البسمة تخرج, بطريقة عفوية, النجمة السهيلية من مخيلته على الأقل!! مؤقتاً!! تحول صفوه من تعكير ٍ وتكدير ٍ إلى تأمل وتعطر وتفكير غير منقطع في الذي سيُكمل به رسالته!!!

فكتب:

فلتعذرني يا صديقي لأني لم أكمل لك الخطاب وأهملتك ثلاث أو ربما أربع ساعات متواصلة. بصراحة, لا أذكر كم مضى من الوقت, أنت أيضاً قد أهملتني كثيراً وكثيراً لكنك على أية حال ستعذرني أليس كذلك؟! مع أن الأسباب لدي كثيرة " لكن عدم اعتنائك بي ليس له أعذار "

ضع نفسك مكاني كيف يُمكن لأي امرئٍ أن يكون في حضرة الطبيعة الإلهية ويفكر في أمرٍ أقل, مشاكل الشباب, أفراحهم أحزانهم, هذا قاطع لرحمه! هذا قاس! هذا منحل أخلاقياً! هذا وهذا؟

كيف يُمكن أن أترك صديقي القمر وهو يفكر في نفسه وفيَّ ويعمل على سعادتي وأقوم بمعالجة أمور أناس هُم في الأساس لا يهتمون بها؟ هُم يا عزيزي لا يخافون على أنفسهم

ولا يفكرون لا في أنفسهم ولا في غيرهم فكيف أفعل أنا وحدي كيف؟.

صديقي أرجوك لا تغضب مني, ولا تأخذ قراراً سريعاً بشأني, تريث في إطلاق أحكامك عليَّ, لأن أكثر ما يعترينا في تلك الحياة من كدر مُجرد أوهام.

عزيزي أرجوك لا تغضب مني, ولتعلم أنك سبباً رئيسياً في كل هذا الذي يجري لنا.

أصبحتُ بنصف عقلٍ, نصف ذاكرة, نصف قلب, ونصف جسد.

قُل لي ماذا عنكَ؟ كيف أصبحتَ؟ هل نضجت كل الأشياء فيك؟ أم أن السنين لم تزد عليك شيئاً؟.

أخبرني هل ستعود في تلك المرة؟.

سؤالي لك بجدية هل ستعود؟ هل ستع ... .؟!

قد بدأ الحبر ينفذ مني, فلا تنزعج لو جاءتك الكلمات نصف كلمات.

من فضلك انتظر قليلاً, فهذا صوت المؤذن, الفجر يُعلن قدومه.

لا تذهب انتظر قليلاً, سأتوضأ.

مرحباً يا صديقي, قد توضأتُ من حبات المطر بعد أن بدأت دفعة جديدة في الهبوط من السماء, هبطت إلى الأرض كما تعلم على متن بساط الهواء رقم .... " الله أعلم " برحلة رقم ... " الله أعلم ".

قُل لي, أخبرني, ما حُكم الوضوء في تلك الحالة " ماء المطر"؟. هل يُمكنك أن تسأل وتخبرني في ردك على رسالتي؟.

هل يُمكنك أن تسأل هل ... ولِم تسأل أحداً غيرك؟ ألم تقل لي في خطابك الماضي أنك درست الفقه؟

قل لي هل لازلت كما أنت؟! أم غيرك واقع البلاد التي أنت فيها؟! أخبرني هل لازلت تصلي كما كُنت هنا؟!

كما كنتَ صغيراً, كما كُنتُ صغيراً, قبل أن تترك كل الأشياء, قبل أن تتركني في هذا العالم وحدي؟!

في غرفتي وحدي؟! قبل أن تترك نصف ذاكرتك, نصف عقلك, نصف قلبك, نصف جسدك, قبل أن تتركني وحدي في غرفتي؟!

قبل أن تتركني أنا طفولتك أنا طفولتك, فهل لازلت تذكر طفولتك؟ فلتعذرني يا صديقي, لأنك تعرف, أني لا أجيد فنون الخطابة والبلاغة وأن كل هذا تعلمته حين اصطحبتني صغيراً وشاهدتُ أو شاهدتَ؟ رواية شروق وغروب

في ليل أزرق.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير