تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[صراع]

ـ[عويس القلنسي]ــــــــ[31 - 03 - 2009, 12:04 ص]ـ

[صراع]

خرجَا من القرية لا يلويان على شيء، بعد أن أفاقا من غيبوبة الصدمة بسبب النباء الذي نزل على يافوخوهما نزول الصاعقة و كان مفاده أن صديقهما القديم و ألد أعدائهما (بر فجونة) قد حصلَ على منصبٍ رفيعٍ، بعد أن لبثَ هناك سنين عدة، اللهُ أعلم بعدتِها، و دفعَ ما دفعَ من المالِ .. لقد كانوا هم الثلاثة أقطاب الجشع و أركان الطمع و أساطين الاحتكار في قريتِنا، و هم في سباقٍ دائمٍ و صراعٍ محتدم على كلِّ شيء، و يتعلمون من بعضِهم البعضِ أفظعَ الحِيَل و أقذرَ الأساليب للنهبِ و الإستلاءِ على ما بيدِ الأهالي البسطاء من أبناء قريتنا من قشار الدنيا و متاعها، و لم يكنْ يخطرُ ببالهم يوماً بأن يمتدَّ أُفقُ طمعهم و يتّسعُ نطاقُ جشعهم ليشمل المناصبَ الحكوميةَ و دوائرها الرسمية، و لم يكنْ في حسبانهم هذا الأمر، و لم يخبروا هذا النوع من التجارة من قبل، حيث كانت الأبواب إليه موصدة، في أيام خلت، و لكن مؤخراً، و في ظلِّ الوضعِ الجديد .. عصر الانفتاح على كلِّ شيء حتى الانتفاخ بكل شيء، فقد أصبحت الفرصةُ سانحة لأمثالهم من أصحاب الأملاك لضمِّ المناصب الإدارية الكبيرة منها و الصغيرة إلى ممتلكاتهم الخاصة و الاستحواذ عليها أيضاً ..

نصيحة:

و قد قيلَ لهما أنذاك بأنه يستحيلُ أن تحصلا على ما تبتغيانه من مناصب و أنتما على هذا الحال من الجهل و الأمية، فلا تضيعا وقتكما، ولا تبددا أموالكما بما لا فائدة ترجى من ورائه .. فقالا لهم نحنُ نقدِّرُ نصيحتكم و لا نشكُّ أو نرتابُ بصفاءِ سريرتكم و مدى حبَّكم لنا و خوفكم على مصلحتنا، و لكننا قد عزمنا على هذا الأمر و لا بد من الوصول إليه أو نخسرُ كلَّ أموالنا دونه ..

برفجونة يفكر في بيع الحكومة:

ثمَّ وهل هذا الوغدُ المدعو (بر فجونة) بأفضلِ منا معَ أنه أشد جهلاً و أكثر تخلفاً إلى درجةِ أنه لا يجيدُ حتى السير على الأرضِ منتصباً كما يفعلُ البشرُ، فيدبُ على الأربعِ كما يدبُ أبن أوى، و مع ذلك فها هو ذا يعودُ من هناك و قد فازَ بأعلى منصباً في قريتنا و هذا ما أثارَ حفيظتنا و حركَ نوازعَ الكرامةِ في نفوسنا، حيث كانَ هو أقلنا مالاً، و أدنانا شأناً، و بالتأكيد بأنه ما فعلَ ما فعلَه إلا لينتقم منا، و ليستخدمُ السلطةَ كسلاحٍ جديدٍ في صراعه معنا، و قد شرع فعلاً في استعمال ذلك السلاح ضدنا، و أستغلَّ في ذلك منصبه الجديد إستغلالا سيئا، و ها هي أملاكه تتسع يوماً بعد يومٍ بعد أن باعَ الكثير من الدوائر الحكومية لحسابه الخاص، و ضم الممتلكات العامة إلى أمواله .. و قيل أنه قد أسرَّ إلى بعض خلصائه المقربين بأنه قد بدأ يفكّرُ بجدية .. بل عقد العزم على بيع الحكومة نفسها بعد أن أصبحت من ممتلكاته الخاصة .. و قد أصبحنا لا قبل لنا به و إذا لم نفعل شيئاً إزائه سوف نخرج من حلبة المنافسة لا محالة برؤوسٍ حاسرةٍ و جيوبٍ خاسرة ...

قارون كان أميا:

و أعلموا بأننا بالمالِ، و بالمالِ فقطْ يمكننا الحصول على ما نريدُ و الوصول إلى ما نطلب، و سوفَ نثبتُ لكم بأن المال أفضل من العلم .. و سوفَ تعلمون بعد حين .. ثم ألا تعلمون بأن قاروناً قد كان أمياً و مع ذلك ضُرِبَ به المثلُ بالغنى حتى عجزَ قطيعٌ من الحمير عن حَمْلِ مفاتيح خزائنه و لم يذهبْ إلى المدرسةِ يوماً و لم يمسكْ بقرطاسٍ أو قلمٍ ..

غيبة المهدي:

فغابا غيبةً صغرى ثم أخرى كبرى كغيبةِ المهدي حتى يأسَ الناسُ من أوبتهما، باحثين عن وظيفةٍ رفيعةٍ من تلك الوظائف الشاهقة لعلهما يطلا من عليائها على السلطة و المال فيجمعا الحسنيين معاً ..

الورقة الصغيرة:

ثمَّ عادَ أحدُهما بعد فترةٍ من الدهرِ تعلو وجهه أبتسامة ماكرة و أخرج من (كماره) الأخضر الذي يشبه حزام المصارعين ورقة صغيرة فناولها لمن يليه منهم و طلب إليه أن يجهرَ بقرأةِ مضمونها على مسامعِ الحاضرين لعلَّ القوم يعلمون و ما أن بدأ القارئُ يتمتمُ حتى أخذتا عيناه تتسعان و شفتاه ترتعشان مما أصابه من الدهشةِ و قد اشرأبت الأعناقُ نحوه و ذهلت النفوسُ شوقاً لمعرفةِ فحوى تلك الورقة الصغيرة التي بين يديه و ماذا عسى أن يكون مكتوب بها؟!

ذات الوظيفة:

بينما ما زالَ صديقه الآخر واقفاً هناك على عتباتِ الباب العالي في مدينةِ المالِ و المناصبِ مستجدياً .. و قد صرَّحَ و أكدَ مراراً و تكراراً بل و

حلفَ و هدَّدَ بأنه سوفَ لمْ و لنْ يعودَ هو الأخر إلى القريةِ ما لمْ يظفرْ بذاتِ الوظيفةِ لا بغيرها ..

القلنسي

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير