هو يرى الحزن ليس كلاما أو مفردات تُرص بجوارِ بعضها بعضا, بل هو شعور عميق مُرهق للنفس, يؤلم الروح, لا يجدي نفعا معه شيء. فالمفردات التي تدل على الوصب ـ التعب ـ لا تدل على ما به. وتأتي كلمة لُفَ لتعبر عن مدى المعاناة التي يلقاها شاعرنا فيرى كل ما حوله تكلفا وتصنعا لا يُحقق صدق شعوره.
فليس لي أمل ليؤنس الروح أو = خيط أطارده من طيف مغترب
هذا البيت هو لُب القصيدة ـ في النقد نُطلق عليه لحظة التغني عند الشاعر ـ لأنه يكشف لنا عن سبب معاناته أخيرا بعد أن أسهب في وصفها وتصويرها لنا.
فليس هناك أمل بمِن يُريدهُ وهو أنيس الروح الوحيد الذي كان سببا في أنسه وإدخال السرور لقلبه ومبعث بهجته,
لم يعد هناك لو خيط رفيع قصير يستطيع أن يمسك به لعله يصل إلى طيف المغترب.
وكلمة مُغترب توحي بأن مَن يبحث عنه غريب بعيد عنه مع أنه كان له أو كان يأملهُ.
فالغربة لا تأتي إلا بعد الألفة مع الشخص والمودة والصحبة الجميلة وإلا لما أحس بها.
فالإنسان الذي يفتقده كان معه يحيا في كنفه بحب ومودة ولكن لأمر ٍما أضحت الغربة هي حالهما.
إذن الغربة عن الرفيق أو الحبيب هي سبب معاناة الشاعر وسبب همومه.
هذا البيت يوضح مدى دفاع الشاعر عن حبه وقدرته على الجهاد لأجله (مطاردة) ولكن هناك حائلا عظيما يحول بينه وبين الوصال!!!!
فلست أرجو وصالا كي يعللني = ولست مرتقبا نيلا لمرتقب
لم يعد يرجو منه وصلا ـ دلالة على اليأس من المغترب لسبب ما لم يكشفه لنا الشاعر ـ حتى يؤنسني فإن الأنس يكون بالوصل ولكنه غير ممكن مستحيل يئس منه الشاعر ولن يكون هناك نوال له وهو الهدف البعيد جدا عنه على الرغم مِن قربه لروحه وتعلقه به.!!
مفارقات مؤلمة.
أتى بصيغيتين من جذر واحد (مُرتقِب ـ مُرتقَب) وفي هذا تلاعب لفظي خَدَم المعنى بلا شك وجذب المتلقي للبيت. فالمرتقِب هو اسم الفاعل ـ الشاعر ـ والمُرتََقَب هو اسم المفعول وهو الرفيق الذي يبحث عنه ويترقب حضوره ويرنو بوصله.
يا صوتها لم تزل في الليل أغنية = تشدو وأصداؤها في القلب كاللهب
ثم يذكر الشاعر لنا في آخر الأبيات أن هذا الرفيق الذي يغترب عنه ما هو إلا الحبيبة التي لم يعد يجدها فهو يُصرح بها في آخر الأبيات ويذكر لنا صفاتها التي يفتقدها فهي التي تملك الصوت الساحر الذي يخلب لبه ويؤنس مسمعه , ويُشبه صوتها بالأغنية التي تترنم هي بها له , وأصداء وأنغام هذه الأغنية تتردد مازالت في قلبه وتشعله كاللهب. وأين هي لتطفأ هذا اللهب وهي المغتربة عنه , بعيدة عنه , لا يمكن أن يكون بينهما وصلا أو طريقا للنوال.!!
وليس في الدار أفراح وقد رقصت = ألحان رقتها تجد في طلبي
يُكمل لنا صفات محبوبته فهي التي كانت تنشر الحب والبهجة والحياة والحيوية والسعادة في أرجاء المنزل كأن في الدار أعراسا مِن شدة الفرحة التي يحيا بها معها. وهي التي تتصف بالرقة الشديدة وهذه الرقة سببا لتعلقه بها وانشغال فكره بها فهو يُحب هذه الصفة بها. ومما لا شك أن أهم سمات الأنثى الرقة فهو أجاد أن يُعبر لنا عن صفات محبوبته بما ينبغي أن تتصف به المرأة العربية وشبه هذه الرقة بالألحان التي تتغنى بها امرأته فتبث في المنزل أنغام السعادة والبهجة والفرحة.
من جماليات هذا البيت تكرار الوزن الصرفي لجمع القلة في قوله (أفراح ـ ألحان) فهما على وزن أفعال مما جعل الموسيقى الداخلية تكون قوية كما الألحان في صوت محبوبته. جمالية بين المعنى والموسيقى الداخلية رائعة.
هدية العيد ما زالت مغلفة = وعطرها لم يزل في عقدها الذهبي
هدية العيد في ظل عدم وجود حبيبته مازالت مغلفة ـ كناية عن عدم فرحته وانتظاره لها ووفائه ـ وعطرها معلق بعقدها الذهبي ـ كناية أنه معها بعيدا عن الشاعر ـ وهو هنا يصور لنا عن تعلقه بها وبما كانت تضعه من عطور أو تتركه لهُ هدايا يفرح بها معها.
القافية هي الباء المتحركة ـ قافية مطلقة ـ وهي قافية فيها قلقلة كما روح الشاعر القلقة التي يُطلق آهات حزنه عبر القافية المطلقة التي يمتد معها النَفَس.
هذا مرور سريع ووقفة عاجلة مع قصيدة أهم مايميزها صدق الشعور
سلم قلمك أخي الكريم
سلمت يمينك
قراءة رائعة ممتعة
ـ[هدى عبد العزيز]ــــــــ[29 - 10 - 2010, 07:40 م]ـ
سلمت يمينك
قراءة رائعة ممتعة
أشكرك جدا أخي همبريالي
¥