تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الصدق مركب من العدل والنجدة من جاء إليك بباطل رجع من عندك بحق وذلك أن من نقل إليك كذباً عن إنسان حرك طبعك فأجبته فرجع عنك بحق فتحفظ من هذا ولا تجب إلا عن كلام صح عندك عن قائله.

لا شيء أقبح من الكذب، وما ظنك بعيب يكون الكفر نوعاً من أنواعه فكل كفر كذب فالكذب جنس والكفر نوع تحته. والكذب متولد من الجور والجبن والجهل لأن الجبن يولد مهانة النفس والكذاب مهين النفس بعيد عن عزتها المحمودة.

رأيت الناس في كلامهم الذي هو فصل بينهم وبين الحمير والكلاب والحشرات ينقسمون أقساماً ثلاثة:

أحدها: من لا يبالي فيما أنفق كلامه فيتكلم بكل ما سبق إلى لسانه غير محقق نصر حق ولا إنكار باطل وهذا هو الأغلب في الناس.

والثاني: أن يتكلم ناصراً لما وقع في نفسه أنه حق ودافعاً لما توهم أنه باطل غير محقق لطلب الحقيقة لكن لجاجاً فيما التزم وهذا كثير وهو الأول.

والثالث: واضع الكلام في موضعه، وهذا أعز من الكبريت الأحمر.

لقد طال هم من أغاظه الحق.

اثنان عظمت راحتهما:

أحدهما في غاية المدح، والآخر في غاية الذم، وهما: مطرح الدنيا ومطرح الحياء.

من عجيب تدبير الله عز وجل للعالم أن كل شيء اشتدت الحاجة إليه كان ذلك أهون له وتأمل ذلك في الماء فما فوقه. وكل شيء اشتد الغنى عنه كان ذلك أعز له وتأمل في الياقوت الأحمر فما دونه.

الناس فيما يعانونه كالماشي في الفلاة كلما قطع أرضاً بدت له أرضون وكلما قضى المرء سبباً حدثت له أسباب.

صدق من قال: إن العاقل معذب في الدنيا. وصدق من قال إنه فيها مستريح! فأما تعذيبه ففيما يرى من انتشار الباطل وغلبة دولته وبما يحال بينه وبينه من إظهار الحق، وأما راحته فمن كل ما يهتم به سائر الناس من فضول الدنيا.

إياك وموافقة الجليس السيء ومساعدة أهل زمانك فيما يضرك في أخراك أو في دنياك وإن قل، فإنك لا تستفيد بذلك إلا الندامة حيث لا ينفعك الندم ولن يحمدك من ساعدته بل يشمت بك. وأقل ما في ذلك وهو المضمون أنه لا يبالي بسوء عاقبتك وفساد مغبتك.

ـ[عبدالرحمن السديس]ــــــــ[18 May 2004, 10:37 م]ـ

وإياك ومخالفة الجليس ومعارضة أهل زمانك فيما لا يضرك في دنياك ولا في أخراك. وإن قل فإنك تستفيد بذلك الأذى والمنافرة والعداوة وربما أدى ذلك إلى المطالبة والضرر العظيم دون منفعة أصلاً. إن لم يكن بد من إغضاب الناس أو إغضاب الله عز وجل ولم يكن لك مندوحة عن منافرة الخلق أو منافرة الحق فاغضب الناس ونافرهم ولا تغضب ربك ولا تنافر الحق.

الاتساء بالنبي صلى الله عليه وسلم في وعظ أهل الجهل والمعاصي والرذائل واجب فمن وعظ بالجفاء والاكفهرار فقد أخطأ وتعدى طريقته صلى الله عليه وسلم وصار في أكثر الأمر مغرياً للموعوظ بالتمادي على أمره لجاجاً وحرداً ومغايظة للواعظ الجافي فيكون في وعظه مسيئاً لا محسناً.

ومن وعظ ببشر وتبسم ولين وكأنه مشير برأي ومخبر عن غير الموعوظ بما يستفتح من الموعوظ فذلك أبلغ وأنجع في الموعظة. فإن لم يتقبل فلينتقل إلى الموعظة بالتحشيم وفي الخلاء فإن لم يقبل ففي حضرة من يستحي منه الموعوظ فهذا أدب الله في أمره بالقول واللين.

ومما ينجع في الوعظ أيضاً الثناء بحضرة المسيء على من فعل خلاف فعله فهذا داعية إلى عمل الخير. وما أعلم لحب المدح فضلاً هذا وحده وهو أن يقتدي به من يسمع الثناء. ولهذا يجب أن تؤرخ الفضائل والرذائل لينفر سامعها عن القبيح المأثور عن غيره ويرغب في الحسن المنقول عمن تقدمه ويتعظ بما سلف.

فصل في مداواة أدواء الأخلاق الفاسدة

من امتحن بالعجب فليفكر في عيوبه فإن أعجب بفضائله فليفتش ما فيه من الأخلاق الدنيئة فإن خفيت عليه عيوبه جملة حتى يظن أنه لا عيب فيه فليعلم أن مصيبته إلى الأبد وأنه لأتم الناس نقصاً وأعظمهم عيوباً. وأضعفهم تمييزاً. وأول ذلك أنه ضعيف العقل جاهل، ولا عيب أشد من هذين لأن العاقل هو من ميز عيوب نفسه فغالبها وسعى في قمعها والأحمق هو الذي يجهل عيوب نفسه إما لقلة علمه وتمييزه وضعف فكرته، وإما لأنه يقدر أن عيوبه خصال، وهذا أشد عيب في الأرض.

وفي الناس كثير يفخرون بالزنا واللياطة والسرقة والظلم فيعجب بتأتي هذه النحوس له وبقوته على هذه المخازي.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير