[الحلقة السادسة: استقبال الغربيين في المؤسسات الإسلامية في أوربا]
ـ[مصطفى الفاسي]ــــــــ[04 May 2004, 03:15 ص]ـ
الباب الثالث: استقبال المؤسسات التربوية والإنسانية وغيرها والتعامل معها:
إن الأسباب التي تدفع المؤسسات الاجتماعية والتربوية والإنسانية وغيرها للقدوم إلى مراكزنا الإسلامية متعددة، نركز فيها على الأسباب الرئيسة الجلية وهي ما تعانيه هذه المؤسسات من مشاكل تربوية مع جاليتنا، سواء أكان الخلل من جانبها لعدم تعودهم على التعامل مع عقائد وعادات وتقاليد أخرى، فتريد تكوين مفهوم تقريبي عن ديننا ورُؤانا وعاداتنا. أم كان الخلل فينا وهذا أظهر وهو استفحال كثير من المشاكل في أبنائنا كالجريمة والمخدرات والخروج المبكر من المؤسسات التعليمية: مدارسَ وجامعات، فأصبح ذلك يشكل إشكالية همّها مشترك بين الدعاة وخصوصا المشتغلين بالجوانب التربوية والاجتماعية منهم، وبين هذه المؤسسات. لأن مشاكل المغتربين هي قضيتنا ابتداءا، فضياع أبنائنا وأنفسِنا بضياع الأمة، وانحرافهم مرآة لانحراف الأمة، وليست مشكلةً يتحملها ويعاني منها المجتمع الغربي وحده.
فالخلل الذي من جانبنا، هو سوء الفهم - إن لم نقل انعدامه - وعدم الوعي من قبل الآباء أولاً بالواجب التربوي في الغرب، وتقصير ذوي السلطة التربوية من دعاة ومؤسسات إسلامية في الواجب التربوي ثانيا، إلى جانب المؤثرات الخارجية في بلاد الغرب، فكانت نتيجته أن كثيرا من الشباب تركوا المدارس والجامعات فبحثوا عن الربح العاجل، سواء كان حلال الأصل والوصف أم حرامَهما؛ وبحثوا عن العسيلة الآنية التي لا تحتاج إلى تبعات، فخدروا ضمائرهم، ووضعوا القطن في آذانهم، عوضا من أن يكونوا مصابيح إيمانية يستضاء بهم في الجامعات والمؤسسات الغربية، ويعلمون دورهم فيتعاملون بإيجابية مع الواقع فيؤثرون ويتأثرون، ويستفيدون ويفيدون. فيكونون أملنا في التمكين لرسالة التوحيد في الغرب، ومستقبلَنا في الإنتاج المعرفي والتغيير الحضاري ...
فتجد شبابنا يعيشون في كبريات المتناقضات التي يعرفها العقل البشري:
• انهزام داخلي وإحساس بالدونية مما يؤدي إلى النقمة على المجتمع الغربي ومعاداته إلى حد التجاوزات اللامبررة، والامعقولة فيترجم ذلك في الجريمة، والمخدرات ..
• اضطراب في الإحساس الداخلي بين الضمير الحي اليقظ الذي يريد الاستسلام لله سبحانه وعدم جِدَةِ الحرج في الصدر من قضائه، وبين المؤثرات المادية الطاغية على الحياة العامة التي تأزه إلى المعصية أزا.
• الشخصية المزدوجة والتعامل بوجهين مراضاة للجميع، فتجد الشاب إذا كان مع زملائه الغربيين بدأ يتسخط بالأصابِح والأماسي على المسلمين وإيذائهم للمجتمع الغربي، وإذا كان مع زملائه المسلمين بدأ بالنيل من المجتمع الغربي والحديث عن حقده الدفين، وكرهه لاقتسام لقمة العيش مع القاطنين الأجانب والمسلمين بصفة خاصة.
• تطبيع الانحراف، وتهوين المعصية وإلفُها، فلم يعد ذلك يحيك في الصدر ويخشى أن يطلع عليه الناس، بل بات الجِهار به حرية، ومسايرة للواقع ومعايشة إيجابية للغرب. مع ادعائهم ولائَهم للدين وأهله، ومعاداتهم لأمريكا وإسرائيل، وتعبيرهم عن غضبهم مع الشارع المسلم عند النكبات والدُّلامِسات.
وهذا كله يرجع إلى أسباب رئيسة تتمثل في:
1. ما كان ثقافيا: بين خلفية ثقافية موروثة من البلاد التي أتى منها، وبين الثقافة الغربية المفاجئة بكل تراكماتها، فهي بدورها متناقضة بين حضارة مادية غير مسبوقة في التاريخ، وبين خواء روحي غير مسبوق في التاريخ. بين اعتناء بالجانب الطيني الأرضي من الإنسان غير مسبوق في التاريخ، وبين إهمال للجانب الروحي العُلوي غير مسبوق في التاريخ.
2. ما كان تربويا: عدم إنشائية المعطيات السانحة للتربية الإسلامية وتبيئتها بالشكل الكافي. أي عدم تمهيد الأرضية اللائقة المساعدة على التربية الإسلامية المعتدلة الصحيحة للطفل في البيئة الغير معدّة لذلك، أو قل ببساطة عدم إعداد الأبناء تربويا للمتغيرات ببلاد الغربة.
¥