[حول المحكم والمتشابه]
ـ[أبو المنذر المصري]ــــــــ[25 Jul 2004, 03:20 ص]ـ
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما بعد
فهذه نبذة مختصرة حول المحكم والمتشابه، أصلها مأخوذ من شرح الشيخ محمد عبد المقصود حفظه الله، لمذكرة الشيخ الشنقيطي رحمه الله في أصول الفقه، أسأل الله أن ينفع بها
المحكم والمتشابه:
أولا: تعريفهما:
تعريف المحكم لغة: ذكر الزركشي رحمه الله في "البرهان": أن أصله لغة المنع، فتقول: أحكمت بمعنى رددت، وسمي الحاكم حاكما لأنه يمنع الظالم منظلمه، ومنه حكمة اللجام، وهي التي تمنع الفرس من الإضطراب.
ومنه قول جرير:
أبني حنيفة احكموا سفهائكم إني أخاف عليكم أن أغضب، أي امنعوا سفهائكم.
وقد اختار الدكتور محمد لطفي الصباغ، في "اللمحات"، معنى الإتقان، فقال: المحكم: اسم مفعول من أحكم، أي أتقن، يقال: بناء محكم، أي متقن، لا وهن فيه ولا خلل.
تعريف المتشابه لغة:
اسم فاعل من تشابه، أي أشبه بعضه بعضا، وذكر الزركشي رحمه الله، أن أصله أن يشتبه اللفظ في الظاهر مع إختلاف المعاني.
وأما إصطلاحا، فقد اختلفت آراء العلماء في تعريف المحكم والمتشابه، ومن أبرز ما قيل في هذه المسألة:
¨ أن المحكم: ما عرف المراد منه، والمتشابه: ما استأثر الله بعلمه، كقيام الساعة والحروف المقطعة في أوائل السور، وهذا قول القرطبي رحمه الله، وقد رجحه الدكتور محمد لطفي الصباغ، وذكره الشيخ مناع القطان رحمه الله، في مقدمة الآراء التي سردها في هذه المسألة.
¨ أن المحكم: ما لايحتمل إلا وجها واحدا، والمتشابه: ما احتمل أوجها. اهـ، ففي قوله تعالى: (ثلاثة قروء)، يكون لفظ (ثلاثة)، على هذا التفسير، محكما لأنه لا يحتمل إلا معنى واحدا، وهو العدد ثلاثة، وأما لفظ (قروء)، فهو، على هذا التفسير، من المتشابه، لأنه مشترك لفظي يحتمل أكثر من معنى، فهو يأتي بمعنيين (الطهر والحيض)، والخلاف في هذه المسألة مبسوط في كتب الفقه، حيث رجح الأحناف رحمهم الله، معنى الحيض، ورجح الجمهور معنى الطهر، وهو الراجح إن شاء الله، والله أعلم.
¨ أن المحكم: ما استقل بنفسه ولم يحتج إلى بيان، والمتشابه: ما لا يستقل بنفسه واحتاج إلى بيان برده إلى غيره. اهـ، وعليه تكون آيات صفات الله عز وجل (محكمة المعنى)، وإن كانت كيفياتها، من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله، كما نبه إلى ذلك الشيخ الشنقيطي رحمه الله، في مناقشته لقول ابن قدامة رحمه الله بأن آيات الصفات متشابهة، فهذا لفظ مجمل يحتاج إلى تبيين، وبيانه، أنها محكمة المعنى متشابهة الكيفية، وعلى هذا الرأي (أي أن المتشابه: ما لا يستقل بنفسه واحتاج إلى بيان برده إلى غيره)، يكون قوله تعالى: (إن الشرك لظلم عظيم)، من المتشابه، لأنه يحتمل الظلم بمعناه الواسع، ويحتمل الشرك خاصة، فاحتاج هذا اللفظ إلى غيره (وهو تفسير الرسول صلى الله عليه وسلم، للظلم في هذه الآية بأنه الشرك)، ليظهر معناه المراد.
¨ أن المحكم: هو آيات الأحكام، والمتشابه هو: القصص والأمثال.
¨ أن المحكم: هو الناسخ، والمتشابه: هو المنسوخ.
¨ أن المحكم: هو ما اتصلت حروفه، والمتشابه: ما تقطعت حروفه، (كالحروف المقطعة في أوائل السور)، ويصف الشيخ محمد بن عبد المقصود، حفظه الله، هذا الرأي، بأنه رأي ضعيف، فكم من كلمات اتصلت حروفها، ولا معنى لها، فقد يجمع الإنسان حروفا متعددة في لفظ واحد، ولا يظهر من هذا اللفظ معنى واضح، والله أعلم.
¨ وهناك تعريف للمحكم، في علم الأصول، وهو: اللفظ الذي ظهرت دلالته بنفسه على معناه ظهورا قويا على نحو أكثر مما عليه المفسر، ولا يقبل التأويل ولا النسخ. فهو، كما يقول الدكتور عبد الكريم زيدان في "الوجيز" لا يحتمل التأويل، لأن وضوح دلالته بلغت حدا ينتفي معها أي إحتمال للتأويل. وهو لا يقبل النسخ، لأنه:
· إما أن يدل على حكم أصلي لا يقبل بطبيعته التبديل والتغيير، كالنصوص الواردة بالإيمان بالله واليوم الآخر والرسل، وتحريم الظلم، ووجوب العدل ونحو ذلك.
· وإما أن يقبله بطبيعته، ولكن اقترن به ما ينفي إحتمال نسخه، كقوله صلى الله عليه وسلم: (الجهاد ماض إلى يوم القيامة).
¥